فی هذه الآیة یدور الحدیث أیضاً عن مسألة اُخرى ممّا یرتبط بالإنفاق فی سبیل الله وهی الکیفیّات المتنوّعة والمخلفة للإنفاق فتقول الآیة: (الّذین ینفقون أ موالهم باللیل والنهار سرّاً وعلانیة فلهم اُجرهم عند ربّهم).
ومن الواضح أنّ إنتخاب أحد هذه الطرق المختلفة یتمّ مع رعایة الشرائط الأفضل للإنفاق، یعنی أنّ المنفق یجب علیه مراعاة الجوانب الأخلاقیة والاجتماعیة فی إنفاقه اللّیلی أو النهاری العلنی أو السرّی، فحین لا یکون ثمّة مبرّر لإظهار الإنفاق على المحتاجین فینبغی أن یکون فی الخفاء لحفظ کرامة المحتاجین وترکیزاً لإخلاص النیّة.
وإذا تطلّبت المصلحة إعلان الإنفاق کتعظیم الشعائر الدینیّة والترغیب والحثّ على الإنفاق دون أن یؤدّی ذلک إلى هتک حرمة أحد من المسلمین، فلیعلن عنه (کالإنفاق فی الجهاد والمراکز الخیریّة وأمثال ذلک).
ولا یبعد أن یکون تقدیم اللّیل على النهار والسرّ على العلانیة فی الآیة مورد البحث إشارة إلى أنّ صدقة السرّ أفضل إلاّ أن یکون هناک موجب لإظهاره رغم أنّه لا ینبغی نسیان الإنفاق على کلّ حال.
ومن المسلّم أنّ الشیء الذی یکون عند الله (وخاصّة بالنظر إلى صفة الربوبیّة الناظرة إلى التکامل والنمو) لا یکون شیئاً قلیلاً وغیر ذا قیمة، بل یکون متناسباً مع ألطاف الله تعالى وعنایاته التی تتضمّن برکات الدنیا وکذلک حسنات الآخرة والقرب إلى الله تعالى.
ثمّ تضیف الآیة (ولا خوفٌ علیهم ولا هم یحزنون ).
إنّ الإنسان یعلم أنّه لکی یدبّر اُموره المعاشیة والحیاتیة یحتاج إلى المال والثروة، فإذا فقد ثروته ینتابه الحزن على ذلک، ویشتدّ به الخوف على مستقبله، لأنّه لا یعلم ما ینتظره فی مقبلات الأیام، هذه الحالة غالباً ما تمنع الإنسان من الإنفاق، إلاَّ الذین یؤمنون من جهة بوعود الله ویعرفون من جهة اُخرى آثار الإنفاق الاجتماعیة. فهؤلاء لا ینتابهم الخوف والقلق من الإنفاق فی سبیل الله على مستقبلهم ولا یحزنون على نقص أموالهم بالإنفاق، لأنّهم یعلمون أنّهم بإزاء ما أنفقوه سوف ینالون أضعافه من فضل الله وبرکات إنفاقهم الفردیة والاجتماعیة والأخلاقیة فی الدنیا والآخرة.
