تجلّی آخر للمعاد فی هذه الدنیا

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
سورة البقرة / الآیة 260 1ـ الحادثة الخارقة للعادة

یذکر القرآن الکریم حول مسألة المعاد بعد قصة عزیر قصةً اُخرى عن إبراهیم (علیه السلام)لیکتمل البحث، ویذکر معظم المفسّرین والمؤرخین فی تفسیر هذه الآیة الحکایة التالیة:

مرّ إبراهیم (علیه السلام) یوماً على ساحل البحر فرأى جیفة مرمیّة على الساحل نصفها فی الماء ونصفها على الأرض تأکل منها الطیور والحیوانات البرّ والبحر من الجانبین وتتنازع أحیاناً فیما بینها على الجیفة، عند رؤیة إبراهیم (علیه السلام) هذا المشهد خطرت فی ذهنه مسألة یودّ الجمیع لو عرفوا جوابها بالتفصیل، وهی کیفیّة عودة الأموات إلى الحیاة مرّة اُخرى، ففکّر وتأمّل فی نفسه أنّه لو حصل مثل هذا الحادث لبدن الإنسان وأصبح طعاماً لحیوانات کثیرة، وکان بالتالی جزءً من بدن تلک الحیوانات، فکیف یحصل البعث ویعود ذلک الجسد الإنسانی نفسه إلى الحیاة؟

فخاطب إبراهیم (علیه السلام) ربّه وقال: (ربّ أرنی کیف تحی الموتى ).

فأجابه الله تعالى: (أوَلم تؤمن ) بالمعاد؟ فقال (علیه السلام): (بلى ولکن لیطمئّن قلبی ).

فأمره الله أن یأخذ أربعة طیور ویذبحها ویخلط لحمها، ثمّ یقسّمها عدّة أقسام ویضع على کلّ جبل قسماً منها، ثمّ یدعو الطیور إلیه، وعندئذ سوف یرى مشهد یوم البعث، فأمتثل

إبراهیم (علیه السلام) للأمر واستولت علیه الدهشة لرؤیته أجزاء الطیور تتجمّع وتأتیه من مختلف النقاط وقد عادت إلیها الحیاة. (1)

وثمّة تفسیر آخر للآیة نقله الفخر الرازی (2) عن أحد المفسّرین یدعى (أبو مسلم) یخالف آراء بقیّة المفسّرین ولکنّنا نذکره هنا لأنّ مفسّراً معاصراً وهو صاحب المنار قد اختار هذا الرأی. (3)

یقول هذا المفسّر: لیس فی هذه الآیة ما یدلّ على أنّ إبراهیم (علیه السلام) ذبح الطیور وبعد ذلک عادت إلى الحیاة من جدید بأمر الله تعالى، بل إنّ الآیة فی صدد بیان مثال لتوضیح مسألة المعاد، یعنی أنّک یا إبراهیم خذ أربعة من الطیر فضمّها إلیک حتّى تستأنس بک بحیث تجیب دعوتک إذا دعوتها، فإنّ الطیور من أشدّ الحیوانات إستعداداً لذلک، ثمّ إجعل کلّ واحدة منهنّ على جبل ثمّ إدعها، فإنّها تسرع إلیک، وهذه المسألة الیسیرة بالنسبة لک تماثل فی سهولتها ویسرها مسألة إحیاء الأموات وجمع إجزائها المتناثرة بالنسبة إلى الله تعالى.

فعلى هذا یکون أمر الله تعالى لإبراهیم (علیه السلام) فی الطیور الأربعة لایعنی أن یقدم إبراهیم على هذا العمل حتماً، بل إنّه مجرّد بیان مثال وتشبیه کأن یقول شخصٌ لآخر لبیان سهولة الأمر علیه: إشرب هذا القدح من الماء حتى انهی هذا العمل ویرید بذلک بیان سهولته، لا أنّ الآخر یجب علیه أن یشرب الماء.

وأستدلّ أنصار النظریّة الثانیة بکلمة (فصرهنّ إلیک ) وقالوا إنّ هذه الجملة إذا کانت متعدّیة بحرف (إلى) فتکون بمعنى الأنس والمیل، فعلى هذا یکون مفهوم الجملة أنّه (خذ هذه الطیور واجعلها تأنس بک) مضافاً إلى أنّ الضمائر فی (صرهنّ) و(منهنّ) و(ادعهنّ) کلّها تعود إلى الطیور، وهذا لا یکون سلیماً إلاّ إذا أخذنا بالتفسیر الثانی، لأنّه على التفسیر الأوّل تعود بعض هذه الضمائر على نفس الطیور وتعود البعض الآخر على أجزائها، وهذا غیر مستساغ فی الاستعمال.

الجواب على هذه الاستدلالات سیأتی ضمن تفسیرنا للآیة الشریفة ولکن ما تجدر الإشارة إلیه هنا هو أنّ الآیة تبیّن بوضوح هذه الحقیقة، وهی أنّ إبراهیم (علیه السلام) طلب من الله تعالى المشاهدة الحسیّة للمعاد والبعث لکی یطمئّن قلبه، ولاشکّ أنّ ضرب المثل والتشبیه لا یجسّد مشهداً ولا یکون مدعاة لتطمین الخاطر، وفی الحقیقة أنّ إبراهیم کان مؤمناً عقلاً ومنطقاً بالمعاد، ولکنّه کان یرید أن یدرک ذلک عن طریق الحس أیضاً.

والآن نبدأ بتفسیر الآیة لیتّضح لنا أیّ التفسیرین أقرب وأنسب:

(وإذ قال إبراهیم ربِّ أرنی کیف تحی الموتى ).

سبق أن قلنا إنّ هذه الآیة تکملة للآیة السابقة فی موضوع البعث، یفید تعبیر (أرنی کیف... ) أنّه طلب الرؤیة والشهود عیاناً لکیفیّة حصول البعث لا البعث نفسه.

(قال أوَلم تؤمن قال بلى ولکن لِیطمئنَّ قلبی ).

کان من الممکن أن یتصور بعضهم أنّ طلب إبراهیم (علیه السلام) هذا إنّما یدلّ على تزلزل إیمان إبراهیم (علیه السلام)، ولإزالة هذا التوهّم أوحى إلیه السؤال: «أوَلم تؤمن؟» لکی یأتی جوابه موضحاً الأمر، ومزیلاً کلّ التباس قدیقع فیه البعض فی تلک الحادثة، لذلک أجاب إبراهیم (علیه السلام) (بلى ولکن لیطمئنّ قلبی ).

یفهم من هذه الآیة أیضاً على أنّ الإستدلالات العملیة والمنطقیة قد تؤدّی إلى الیقین ولکنها لا تؤدّی إلى اطمئنان القلب، إنّها ترضی العقل لا القلب ولا العواطف. إنّ ما یستطیع أن یرضی الطرفین هو الشهود العینی والمشاهد الحسیّة، هذا موضوع مهمّ سوف نزیده إیضاحاً فی موضعه.

التعبیر بالإطمئنان القلبی یدلّ على أنّ الفکر قبل وصوله إلى مرحلة الشهود یکون دائماً فی حالة حرکة وتقلَّب ولکن إذا وصل مرحلة الشهود یسکن ویهدأ.

(قال فخذ أ ربعةً من الطیر فصرهنّ إلیک ثمّ اجعل على کلّ جبل منهنّ جزءاً ).

«صرهنّ» من «الصَوْر» أی التقطیع، أو المیل، أو النداء، ومعنى التقطیع أنسب. أی خذ أربعة من الطیر واذبحهنّ وقطّعهنّ واخلطهنّ.

لقد کان المقصود أن یشاهد إبراهیم (علیه السلام) نموذجاً من البعث وعودة الأموات إلى الحیاة بعد أن تلاشت أجسادها، وهذا لا یأتلف مع أملهنّ ولا مع صح بهنّ وعلى الأخصّ ما یأتی بعد ذلک (ثمّ اجعل على کلّ جبل منهنّ جزءاً ) وهذا دلیل على أنّ الطیور قد قطّعت أوّلاً وصارت أجزاء، ولعلّ الذین قالوا إنّ (صرهنّ إلیک ) تعنی استمالتهنّ وایناسهنّ قد غفلوا عن لفظة «جزءاً» هذه، وکذلک الهدف من هذا العمل.

 

وبذلک قام إبراهیم بهذا العمل وعندما دعاهنّ تجمّعت أجزائهنّ المتناثرة وترکبّت من جدید وعادت إلى الحیاة، وهذا الأمر أوضح لإبراهیم (علیه السلام) أنّ المعاد یوم القیامة سیکون کذلک على شکل واسع وبمقیاس کبیر جدّاً.

ویرى بعضهم أنّ کلمة (سعیّاً) تعنی أنّ الطیور بعد أن عادت إلیهنّ الحیاة لم یطرن، بل مشین مشیاً إلى إبراهیم (علیه السلام) لأنّ السعی هو المشی السریع، وینقل عن الخلیل ابن أحمد الأدیب المعروف أنّ إبراهیم (علیه السلام) کان یمشی عندما جاءت إلیه الطیور، أی أنّ (سعیاً) حال من إبراهیم (علیه السلام) لا من الطیور (4) ، ولکن بالرغم من کلّ ذلک فالقرائن تشیر إلى أنّ (سعیاً) کنایة عن الطیران السریع. (ثمّ ادعهنّ یأتینک سعیاً واعلم أنّ اللّه عزیز حکیم ).


1. تفسیر العیاشی، ج 1، ص 142; وبحارالانوار، ج 7، ص 36 و41.
2. التفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
3. تفسیر المنار، ذیل الآیة مورد البحث.
4. تفسیر البحر المحیط، ج 2، ص 300، ذیل الآیة مورد البحث; وتفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.

 

سورة البقرة / الآیة 260 1ـ الحادثة الخارقة للعادة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma