قصة «عُزیر» العجیبة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
سورة البقرة / الآیة 259 سورة البقرة / الآیة 260

جاءت هذه الآیة معطوفة على الآیة السابقة وتقصّ حکایة أحد الأنبیاء القدامى، وهی من الشواهد الحیّة على مسألة البعث. وقد دارت الآیات السابقة ـ التی استعرضت الحوار بین إبراهیم (علیه السلام) والنمرود ـ حول التوحید ومعرفة الله، أمّا هذه الآیة والآیات التالیة فتدور حول المعاد والحیاة بعد الموت، نبدأ بشرح الحکایة بصورة مجملة ثمّ نباشر بالتفسیر.

الآیة تشیر إلى حکایة رجل سافر على حماره ومعه طعام وشراب، فمرّ بقریة قد تهدّمت وتحوّلت إلى أنقاض تتخلّلها عظام أهالیها النخرة، وإذ رأى هذا المشهد المروع قال: کیف یقدر الله على إحیاء هؤلاء الأموات؟

لم یکن تسأوله بالطبع من باب الشکّ والإنکار، بل کان من باب التعجّب، إذ أنّ القرائن الاُخرى فی الآیة تدلّ على أنّه کان أحد الأنبیاء، وقد تحدّث إلیه الله، کما أنّ الأحادیث (1) تؤیّد هذا کما سیأتی.

 

عند ذلک أماته الله مدة مائة سنة، ثمّ أحیاه مرّة اُخرى وسأله: کم تظنّ أنّک بقیت فی هذه الصحراء؟ فقال وهو یحسب أنّه بقی سویعات: یوماً أو أقل، فخاطبه الله بقوله: بل بقیت هنا مائة سنة، انظر کیف أنّ طعامک وشرابک طوال هذه المدّة لم یصبه أی تغیّر بإذن الله. ولکن لکی تؤمن بأنّک قد أمضیت مائة سنة کاملة هنا انظر إلى حمارک الذی تلاشى ولم یبق منه شیء بموجب نوامیس الطبیعة، بخلاف طعامک وشرابک، ثمّ انظر کیف إنّنا نجمع أعضاءه ونحییه مرّة اُخرى، فعندما رأى کلّ هذه الاُمور أمامه قال: (اعلم أنّ الله على کلّ شیء قدیر )، أی: إننی الآن على یقین بعد أن رأیت البعث بصورة مجسّمة أمامی.

ومَن هذا النبیّ الذی تحدّثت عنه هذه الآیة؟ ثمّة أقوال عدیدة، قال بعض: إنّه «ارمیا». وقال آخرون: إنّه «الخضر». إلاَّ أنّ أشهر الأقوال: إنّه «العزیر» ویؤیّده حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) (2) .

واختلفت الأقوال أیضاً بشأن القریة المذکورة، قال بعض: إنّها «بیت المقدس» التی دمّرها نبوخذ نصّر، وهو احتمال بعید.

نعود إلى تفسیر الآیة: (أو کالذی مرّ على قریة وهی خاویة على عروشها قال أنّى یحیی هذه الله بعد موتها ).

هذه الآیة ـ کما قلنا ـ تکملة للآیة السابقة التی دارت حول التوحید، هذه الآیة والآیات التالیة تجسّد مسألة المعاد.

«عروش» جمع عرش، وهنا تعنی السقف. و«خاویة» فی الأصل بمعنى خالیة، ولکنّها هنا کنایة عن الخراب والدمار، فالبیوت العامرة تکون عادةً مسکونة، أمّا الدور الخالیة فإمّا أن تکون قد تهدّمت من قبل، أو أنّها تهدّمت بسبب خلوّها من الساکنین، وعلیه فإنّ قوله (وهی خاویة على عروشها ) تعنی أنّ دور تلک القریة کانت کلّها خربة، فقد هوت سقوفها ثمّ انهارت الجدران علیها، وهذا هو الخراب التام إذ أنّ الإنهدام یکون عادةً بسقوط السقف أوّلاً، وتبقى الجدران قائمة بعض الوقت، ثمّ تنهار فوق السقف.

(قال أنّى یحیی هذه الله بعد موتها ).

الظاهر أنّ أحداً لم یکن مع النبیّ فی هذه الواقعة، فهو بهذا یخاطب نفسه. وبدیهیّ أنّ القریة هنا تعنی أهل القریة، وهذا یعنی أنّه کان یرى عظام أهل القریة بعینیه، فأشار إلیها وهو ینطق بتساؤله.

(فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه ).

یرى أکثر المفسّرین أنّ هذه الآیة تعنی أنّ الله قد أمات النبیّ المذکور مدّة مائة سنة ثمّ أحیاه بعد ذلک، وهذا ما یستفاد من کلمة «أماته». إلاَّ أنّ صاحب تفسیر المنار یحتمل أن یکون ذلک إشارة إلى نوع من النوم الطویل المعروف عند بعض الحیوانات المسمّى بالسبات، حیث یغطّ الکائن الحی فی نوم عمیق وطویل دون أن تتوقف فیه الحیاة، کالذی حدث مثلاً عند أصحاب الکهف.

وإذا کان النوم لبضع سنوات ممکناً، فهو على رأی صاحب المنار ممکن أیضاً لمائة عام وإن لم یکن اعتیادیاً، ویلزم فی قبول الخوارق أن تکون ممکنة لا محالة عقل (3) .

ولکن لیس فی هذه الآیة ما یدلّ على صحّة هذا القول، بل إنّ ظاهر الآیة یدلّ على أنّ النبیّ قد فارق الحیاة، وبعد مائة سنة استأنف الحیاة مرّة اُخرى، ولا شکّ أنّ موتاً وحیاةً کهذین هما من خوارق العادات، وإن لم یکن مستحیلاً، وعلى کلّ حال فإنّ الحوادث الخارقة للعادة فی القرآن لیست منحصرة بهذه الحادثة بحیث نعمد إلى تأویلها.

نعم نستطیع فی هذا المجال ذکر مسألة النوم الطویل الطبیعی أو السبات الشتوی لبعض الحیوانات التی تنام خلال أشهر الشتاء وتستیقظ عند انخفاض حدّة البرد، أو مسألة انجماد بعض الحیوانات انجماداً طبیعیاً، أو تجمید بعض الأحیاء على ید البشر لمدّة طویلة دون أن تموت، کلّ ذلک لتقریب فکرة الإماتة والإحیاء مدّة عام إلى الأذهان، ویکون ذکر هذه المسائل بهدف الخروج بالنتیجة التالیة:

إنّ الله القادر على إبقاء الأحیاء مئات السنین فی نوم طویل أو حالة انجماد، ثمّ إیقاظها وإعادتها إلى حالتها الاُولى لهو قادر على إحیاء الموتى.

إننا بقبولنا أصل المعاد وإحیاء الموتى فی البعث وکذلک بقبول خوارق العادات والمعجزات على أیدی الأنبیاء لیس ثمّة ما یدعونا إلى محاولة تفسیر جمیع آیات القرآن بسلسلة من المسائل العادیة والطبیعیة مخالفین بذلک ظاهر الآیات، فهذا لیس صحیحاً ولا لزوم له. (4)

وکما قال بعض المفسّرین: کأننا نسینا أننا کنّا أمواتاً فی البدایة وقد أحیانا الله تعالى، فما المانع أن تتکرر ظاهرة الموت والحیاة هذه؟!

(قال کم لبثتَ قال لبثتُ یوماً أو بعض یوم ).

یسأل الله نبیّه فی هذه الآیة عن المدّة التی قضاها فی النوم، فیتردّد فی الجواب بین قضائه یوماً کاملاً أو جزءاً من الیوم، ویستفاد من هذا التردّد أنّ الساعة التی أماته الله فیها تختلف عن الساعة التی أحیاه فیها من ساعات النهار، کأن تکون إماتته قد حدثت مثلاً قبل الظهر، واُعید إلى الحیاة بعد الظهر، لذلک انتابه الشکّ إن کان قد نام یوماً کاملاً بلیله ونهاره، أم أنّه لم ینم سوى بضع ساعات من النهار، ولهذا بعدأن قال إنّه قضى یوماً، راوده الشکّ فقال (أو بعض یوم )، ولکنّه ما لبث أن سمع الله یقول له: (قال بل لبثت مائة عام ).

ثمّ أن الله تعالى أمر نبیّه بأن ینظر إلى طعامه الذی کان معه من جهة، وینظر إلى مرکوبه من جهة اُخرى لیطمئن إلى واقعیة الأمر فالأول بقی سالماً تماماً، أمّا الثانی فتلاشى وأصبح رمیماً، لیعلم قدرة الله على حفظ الأشیاء القابلة للفساد خلال هذه الأعوام، ویدرک من جهة اُخرى مرور الزمان على وفاته: (فانظر إلى طعامک وشرابک لم یتَسنّه ). (5)

«لم یتسنّه» من مادّة «سَنَة» أی لم یمض علیه مدّة سنة، لعدم تعفّنه وتفسّخه. وعلى ذلک یکون معنى الآیة: لاحظ طعامک وشرابک تجده کأنّه لم تمض علیه سنة ولا مدّة زمنیة، فلم یتغیر، أی أنّ الله القادر على إبقاء ما یسرع إلیه التفسّخ والفساد کالطعام والشراب، قادر أیضاً على إحیاء الموتى بیسر، فإبقاء الطعام والشراب نوع من إدامة الحیاة لهذه المواد السریعة التفسّخ، وعملیة الإبقاء هذه لیست بأیسر من إحیاء الموتى (6) .

 

إلاَّ أنّ الآیة لم تشر إلى ماهیّة طعام النبیّ (صلى الله علیه وآله) وشرابه، یقول بعض: إنّ طعامه کان فاکهة التین وکان شرابه عصیر بعض الفواکه، (7) وکلاهما یسرع إلیه الفساد والتفسّخ کما هو معلوم، لذلک فإنّ بقاءهما هذه المدّة الطویلة دون تلف أمرٌ مهم.

(وانظر إلى حمارک ).

لم یذکر القرآن عن حماره شیئاً فی الآیات السابقة، إلاَّ أنّ الآیات التالیة تشیر إلى أنّ حماره قد تلاشى تماماً بمضیّ الزمان، ولولا ذلک لما کان هناک ما یشیر إلى انقضاء مائة سنة، وهذا أمر عجیب أیضاً، لأنّ حیواناً معروفاً بطول العمر یتلاشى على هذه الصورة، بینما الذی یطرأ علیه التفسّخ السریع کالفاکهة وعصیرها لم یتغیّر لا فی الرائحة ولا فی الطعم، وهذا منتهى تجلّی قدرة الله.

(ولنجعلک آیةً للناس ).

أی أنّ حکایتک هذه لیست آیة لک وحدک، بل هی کذلک للناس جمیعاً.

(وانظر إلى العظام کیف ننشزها ثمّ نکسوها لحماً ).

«النشوز» هو الارتفاع والبروز، ویعنی هنا رفع العظام من مکانها وترکیبها مرّة اُخرى، فمعنى الآیة یکون: انظر إلى هذه العظام النخرة کیف نرفعها من مواضعها ونربط بعض ببعض ثمّ نغطّیها باللّحم ونحییها، واضح أنّ العظام المقصودة هی عظام حماره المتلاشی، لا عظام أهل القریة لما فی ذلک من انسجام مع الآیات السابقة.

واحتمل بعض المفسّرین أنّ المراد من العظام هی عظام نفس ذلک النّبی (صلى الله علیه وآله)، وهذا بعید جدّاً، لأنّ الحدیث کان بعد احیاءه، وکذلک احتمل الآخرون هی عظام الحمار أو عظام الموتى الذین تعجب من احیائهم (8) ، وهذا أیضاً بعید لأن الکلام قبل هذه الجملة کان یدور حول الحمار والراکب لا أهل القریة.

(فلمّا تبیّن له قال أعلم أنّ الله على کلّ شیء قدیر ).

عندما اتّضحت کلّ هذه المسائل للنبیّ (صلى الله علیه وآله) المذکور قال إنّه یعلم أن الله قادر على کلّ شیء، لاحظ أنّه لم یقل: الآن علمت کقول زلیخا بشأن یوسف (الآن حصحص الحقّ ) (9) بل قال «أعلم» أی أننی أعترف بهذا الأمر بعلمی ومعرفتی.

 


1. وسائل الشیعة، ج 16، ص 142.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 1 و2، ص 370.
3. تفسیر المنار، وتفسیر المراغی، ذیل الآیة مورد البحث.
4. إنّ بقاء المواد الغذائیة والأشربة لمدّة مائة عام کما أشارت الآیة الکریمة إلى ذلک، وکذلک احیاء «الحمار» بعد أن اجتمعت العظام وکسیت العظام لحماً فی محضر فی ذلک النّبیّ، کل ذلک دلیل قاطع على الاحیاء والاماتة فی یوم القیامة وأن لا نغفل عن هذا الأمر الجلیل.
5. اتفق کثیر من المفسرین على أنّ جملة «لم یتسنّه» مأخوذة من مادة «سنّة»، راجع: «الطبرسی» و«الفخر الرازی» و«القرطبی» و«أبوالفتوح» وأشار الراغب فی «مفرداته» فی مادة «سنّة» إلى هذا المعنى وإن فسّرها فی مادّة «سنّ» بمعنى آخر.
6. الضمیر فی «لم یتسنّه» مفرد وعائده مثّنى: الطعام والشراب،وإنّما أفرد لقصد الجنس، فکلاهما من جنس واحد.
7. التفسیر الکبیر، وتفسیر روح المعانی، وتفسیر جامع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
8. تفسیر الکشّاف، ج 1، ص 307.
9. یوسف، 51.

 

سورة البقرة / الآیة 259 سورة البقرة / الآیة 260
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma