الشفاعة لیست محسوبیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
مالکیة الله المطلقة: (له ما فی السماوات وما فی الأرض ).1ـ المراد من العرش والکرسیّ

«الشفاعة» (1) هی العون الذی یقدّمه قویّ لضعیف لکی یساعده على اجتیاز مراحل تکامله بسهولة ونجاح.

إلاَّ أنّ الکلمة تستعمل عادةً فی التوسّط لغفران الذنوب. غیر أنّ مفهوم الشفاعة أوسع من ذلک وتشمل جمیع العوامل والدوافع والأسباب فی عالم الوجود، على سبیل المثال التربة والماء والهواء وأشعة الشمس هی العوامل الأربعة التی تشفع لبذرة النبات وتعینها على الوصول إلى مرحلة النضج لتصبح شجرة أو نبتة متکاملة، ولو نظرنا إلى الشفاعة فی الآیة الکریمة بهذا المعنى الواسع أدرکنا أنّ وجود العوامل والأسباب المختلفة لا یحدّد مالکیّة الله المطلقة ولا یقلّل منها، لأنّ تأثیر هذه العوامل کافّة لا یکون إلاَّ بإذن الله وأمره، وهذا أیضاً دلیل على قیّومیته ومالکیّته.

بیدَ أنّ بعضهم یظنّ أنّ الشفاعة فی المفاهیم الدینیة تشبه التوصیات والمحسوبیات والمنسوبیات، وأنّ مفهومها العام هو السماح للإنسان أن یرتکب ما یشاء من المعاصی، ثمّ یتوسّل بالشفاعة لغفران ذنوبه کلّها بیسر وسهولة!!

ولکن الأمر لیس کذلک، فلا المعترضون أدرکوا شیئاً من منطق الدین فی موضوع الشفاعة، ولا العاصون المتجرّئون على حدود الله فهموا ذلک، فالشفاعة التی یقوم بها بعض عباد الله المقرّبین یمکن اعتبارها ـ کما قلنا ـ شفاعة تکوینیة تتحقّق بوساطة عوامل طبیعیة، کما تتحقّق فی بذرة النبات، وکما أنّ البذرة لاتنمو إن لم تکن فیها عوامل الحیاة حتى لو سطعت علیها الشمس وهبّت علیها الریاح وهطل علیها المطر سنوات طویلة، کذلک شفاعة أولیاء الله لغیر المؤهّلین، لن یکون لها أیّ أثر، أو قُل إنهم لایمکن أن یشفعوا لأمثال هؤلاء.

الشفاعة تستلزم نوعاً من العلاقة المعنویة بین الشفیع والمشفوع له، لذلک فإنّ على من یرجو الشفاعة أن یقیم فی هذه الدنیا علائق روحیة مع من یتوقّع شفاعته، وهذه العلائق ستکون ـ فی الواقع ـ وسیلة من وسائل تربیة المشفوع له بحیث إنّها تقرّبه من مدرسة أفکار الشفیع وأعماله، وهذا ما سیوصله إلى أن یکون مؤهّلاً لنیل تلک الشفاعة.

وبناءً على ذلک، فالشفاعة عامل تربوی، ولیست نوعاً من المحسوبیة والمنسوبیة، ولا ذریعة للتنصّل عن المسؤولیة.

ومن هذا یتّضح أنّ الشفاعة لا تغیّر إرادة الله بشأن العُصاة المذنبین، بل إنّ العاصی والمذنب ـ بإرتباطه الروحی بشفیعه ـ یحظى بتربیة تؤهّله لنیل عفو الله تعالى.

(یعلم ما بین أیدیهم وما خلفهم ).

بعد الإشارة إلى الشفاعة فی الآیة السابقة، وإلى أنّ هذه الشفاعة لا تکون إلاَّ بإذن الله، تأتی هذه الجملة لبیان سبب ذلک فتقول إنّ الله عالم بماضی الشفعاء ومستقبلهم، وبما خفی علیهم أیضاً، لذلک فهم غیر قادرین على أن یبیّنوا عن المشفوع لهم اُموراً جدیدة تحمل الله على إعادة النظر فی أمرهم بسببها وتغییر حکمه فیهم.

وذلک لأنّ الشفیع ـ فی الشفاعات العادیة ـ یؤثّر فی المتشفّع عنده بطریقین اثنین: فهو إمّا أن یعمد إلى ذکر صفات ومؤهّلات المشفوع له التی تدعو إلى إعادة النظر فی أمره، أو أن یبیّن للمتشفّع عنده العلاقة التی تربط المشفوع بالشفیع ممّا یستدعی تغییر الحکم إکراماً للشفیع.

بدیهیّ أنّ کلا هذین الأسلوبین یعتمدان على کون الشفیع یعلم أشیاء عن المشفوع له لا یعلمها المتشفّع عنده، أمّا إذا کان المتشفّع عنده محیطاً إحاطة کاملة بکلّ شیء ممّا یتعلّق بکلّ شخص، فلا یکون لأحد أن یشفع لأحد عنده، وذلک لأنّ المتشفّع عنده أعلم بمن یستحقّ الشفاعة فیجیز للشفیع أن یشفع له.

کلّ ذلک فی صورة أن یکون ضمیر (ما بین أیدیهم وما خلفهم ) یعود على الشفعاء أو المشفوع لهم، ولکن یُحتمل أیضاً أن یعود الضمیر لجمیع الموجودات العاقلة فی السّموات والأرض الواردة فی جملة (له ما فی السّماوات وما فی الأرض ) وتُعتبر تأکیداً لقدرة الله الکاملة على جمیع المخلوقات وعجز الکائنات أیضاً وحاجتها إلیه، لأنّ من لیس له علمٌ بماضیه ومستقبله وغیر مطّلع على غیب السّموات والأرض فإنّ قدرته محدودة جدّاً، بخلاف من هو عالمٌ ومطّلعٌ على جمیع الأشیاء، وفی جمیع الأزمنة والأعصار، فی الماضی والحاضر فإنّ قدرته غیر محدودة، ولهذا السبب فکلّ عمل حتى الشفاعة یحتاج إلى إذنه.

وبهذا الترتیب یمکن الجمع بین کلا المعنیین.

أمّا المراد من جملة (ما بین أیدیهم وما خلفهم ) فإنّ للمفسّرین احتمالات متعدّدة،

فبعضٌ ذهب إلى أنّ المرادمن (ما بین أیدیهم ) اُمور الدّنیا التی تکون أمام الإنسان وبین یدیه، وجملة (وما خلفهم ) یراد بها اُمور الآخرة التی تقع خلف الإنسان، وذهب بعضٌ آخر إلى عکس هذا التفسیر.

وبعضٌ ثالث ذهب إلى أنّها إشارة إلى أجر الإنسان أو أعماله الخیّرة أو الشّریرة أو الاُمور التی یعلمها والتی لا یعلمها.

ولکن بمراجعة آیات القرآن الکریم یُستفاد أنّ هذین التعبیرین استعُملا فی بعض الموارد للمکان کالآیة 17 من سورة الأعراف حیث تحدّثت عن قول الشیطان: (لآتینّهم من بین أیدیهم ومن خلفهم وعن أیمانهم وعن شمائلهم ).

وتارةً تأتی بمعنى القبل والبعد الزمانی کالآیة 170 من سورة آل عمران حیث تقول: (ویستبشرون بالّذین لم یلحقوا بهم من خلفهم ) فمن الواضح أنّ الآیة هنا ناظرةٌ إلى الزّمان.

أمّا فی الآیة التی نحن بصددهافالتعبیر قد یجمع بین المکان والزمان، أی أنّ الله یعلم ما کان فی الماضی أو یکون فی المستقبل وما هو أمام أنظارهم بحیث إنّهم یعلمونه، وما هو خلفهم ومحجوبٌ عنهم ولا یعلمون عنه شیئاً، وعلى هذا فأنّ الله محیط بکل أبعاد الزمان والمکان فکل عمل حتى الشفاعة یجب أن تکون بإذنه.

وفی ثامن صفة مقدّسة تقول الآیة: (ولا یحیطون بشیء من علمه إلاّ بماشاء ) (2) .

هذه الفقرة أیضاً توکیدٌ لما سبق من سعة علمه اللامحدود وأنّ علم الکائنات إنّما هو قبسٌ من علمه تعالى، فلذلک یکون علم الشفعاء محدوداً بأزاء علمه تعالى، فلا حظّ لهم من العلم إلاّ بمقدار ما یرید الله تعالى لهم.

ومن هذه الفقرة من الآیة یستفاد أمرین:

الأول: أنّه لا أحد یعلم شیئاً بذاته، فجمیع العلوم والمعارف البشریّة إنّما هی من الله تعالى، فهو الذی یزیح الستار عن حقائق الخلقة وأسرار الطبیعة ویضع معلومات جدیدة فی متناول البشر فیوسّع من اُفق معرفتهم.

والآخر: هو أنّ الله تعالى قد یضع بعض العلوم الغیبیّة فی متناول من یشاء من عباده فیطلعهم على ما یشاء من أسرار الغیب، وهذا ردٌ على من یعتقد أنّ علم الغیب غیر متاح للبشر، وهو تفسیرٌ أیضاً للآیات التی تنفی علم الغیب عن البشر (وسیأتی إن شاء الله مزید من الشرح لهذا الموضوع فی مکانه عند تفسیر الآیات الخاصّة بالغیب کالآیة 26 من سورة الجن).

وجملة (لایحیطون ) إشارة لطیفة إلى حقیقة العلم وأنّه نوعٌ من الأحاطة.

وفی تاسع وعاشر صفة إلهیّة تقول الآیة: (وسع کرسیّه السّماوات والأرض ولا یؤده حفظهما ).

وفی الصفة الحادیة عشر والثانیة عشر تقول الآیة: (وهو العلی العظیم ).


1. تحدّثنا عن الشفاعة فی ذیل الآیة 48 من سورة البقرة بصورة مفصلة.
2. ذهب أکثر المفسّرین إلى ان کلمة «علم» هنا بمعنى «المعلوم». وهذا ما یتناسب مع معنى الآیة ومن هنا تبعیضیة. تفسیر مجمع البیان، والتفسیر الکبیر، وتفسیر روح البیان، وتفسیر القرطبی، ذیل الآیة مورد البحث.

 

مالکیة الله المطلقة: (له ما فی السماوات وما فی الأرض ).1ـ المراد من العرش والکرسیّ
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma