لا یکون هناک قیام بشؤون العالم بغیر ملکیة السماوات والأرض وما فیها، لذلک فهذه الآیة ـ بعد ذکر قیّومیة الله ـ تشیر إلى حقیقة کون العالم کلّه ملک خاصّ لله، وأنّ کلّ تصرّف یحدث فیه فبأمر منه.
وعلیه، فإنّ الإنسان لیس المالک الحقیقی لما عنده ولما یقع تحت تصرّفه، بل إنّه یتصرّف فیه لمدّة محدودة ووفق شروط معیّنة قرّرها المالک الحقیقی، لذلک فعلى هؤلاء المالکین المؤقّتین أن یلتزموا تمام الالتزام بالشروط التی وصفها المالک الحقیقی، وإلاَّ فإنّ مالکیّتهم المؤقّتة هذه تصبح باطلة وتصرّفهم غیر جائز.
الشروط المطلوبة للتصرّف بملک الله هی التی وردت فی الشرع وأبلغت للناس.
من الواضح أنّ التقیّد بهذا یعتبر فی الواقع عاملاً مهمّاً من عوامل التربیة، إذا اعتقد الإنسان أنّه لیس المالک الحقیقی لما یملک وإنّما هو یتصرّف به لفترة قصیرة من الزمن، فسیمتنع ـ دون شکّ ـ عن الإعتداء على حقوق الآخرین وعن الحرص والطمع والاحتکار والبخل وأمثالها ممّا یتولّد فی الإنسان نتیجة التصاقه بالدنیا، فیکون ذلک مدعاةً لتربیته تربیة تجعله قانعاً بحقوقه المشروعة (1) .
(من ذا الذی یشفعُ عنده إلاَّ بإذنه ) وهذا فی الواقع ردّ على ادّعاء المشرکین الذین یقولون إننا نعبد الأوثان لتکون شفعاءنا عند الله کما ورد فی الآیة 3 من سورة الزمر (ما نعبدهم إلاّ لیقرّبونا إلى الله زلفى ) (2) .
وهذه الآیة من نوع الاستفهام الاستنکاری، أی ما من أحد یتقدّم بشفاعة إلیه بإذنه، هذه الآیة تکمل فی الواقع معنى قیّومیة الله ومالکیّته المطلقة لجمیع ما فی عالم الوجود، أی أننا إذا رأینا أحداً یشفع عند الله، فلیس معنى ذلک أنّه یملک شیئاً وأنّ له تأثیراً مستقّلاً، بل أنّ مقامه فی الشفاعة هبة من الله، ولمّا کانت شفاعته بإذن الله، فإنّ هذا بذاته دلیل آخر على قیّومیة الله ومالکیّته.