شبّه القرآن الکریم فی مواضع عدیدة عمل الإنسان فی الحیاة الدنیا بالتجارة، ونحن فی الحیاة الدنیا تجار نأتی إلى هذا المتجر الکبیر برأس مال وهبه لنا الله سبحانه، وعناصره العقل والفطرة والعواطف والطاقات الجسمیّة المختلفة ومواهب عالم الطبیعة، ثم قیادة الأنبیاء، جمع یربحون ویفوزون ویسعدون، وجمع لا یجنون ربحاً، بل أکثر من ذلک یفقدون رأس مالهم، ویفلسون بکل ما لهذه الکلمة من معنى، المجاهدون فی سبیل الله من أفراد الجمع الأول، ویقول عنهم الله تعالى: (یا أیُّها الَّذین آمنوا هل أدلکم على تجارة تنجیکم من عذاب ألیم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فی سبیل الله بأموالکم وأنفسکم ) (1) .
والمنافقون من أبرز نماذج الجمع الثانی، فبعد أن یذکر القرآن أعمالهم التخریبیة المتلبسة بظاهر الإصلاح والتعقّل یقول عنهم: (أولئک الَّذین اشتروا الضَّلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وماکانوا مهتدین ).
کان بمقدور هؤلاء أن ینتخبوا أفضل طریق لحیاتهم، لأنّهم کانوا یعیشون إلى جانب ینبوع الوحی الصافی، وفی جوّ مفعم بالصدق والإخلاص والإیمان، لکنهم فوّتوا على أنفسهم هذه الفرصة الفریدة العظیمة، وأضاعوا ما وهبهم الله من هدایة فطریة فی ذواتهم، ومن هدایة تشریعیة فی إطار نور الوحی، واشتروا الضلالة وسلکوا طریقاً خالوا أنهم یستطیعون به أن یقضوا على الدعوة ویصلوا إلى مآربهم الخبیثة.
وکان فی هذه المقایضة الخاطئة خسارتان:
الاُولى: ضیاع ثرواتهم المادیة والمعنویة. والثانیة: فشلهم فی تحقیق أهدافهم المشؤومة، فالإسلام سرعان ما ضرب بجرانه فی أرجاء الأرض فاضحاً خطط المنافقین.