أسباب ونتائج الاجتماع والانزواء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
طریق الجمع بین الآیات والروایات25 ـ النّوح بالباطل

إنّ الدافع الأصلی فی سلوک الإنسان فی حرکة الحیاة من موقع الاجتماع والمعاشرة مع الآخرین ینبع من طبع الإنسان، ولذلک قیل أنّ (الإنسان مدنی بالطبع) کما یقول علماء الاجتماع، وعلیه فإنّ العزلة لا تنسجم مع روح الإنسان المنفتحة على الآخرین، وکما یقول علماء الاجتماع فی مطالعاتهم وتجاربهم عن الأشخاص التارکین للدنیا والمجتمع أنّ حالة العزلة تخلف آثاراً سلبیة على النفس البشریة وتؤدّی بالإنسان إلى أن یعیش الیأس والکآبة المزمنة والتوهّمات الضبابیة وقد یورثه هذا الحال الکثیر من الاختلالات العقلیة أیضاً.

ولهذا السبب فإنّ أحد أشدّ أنواع التعذیب للإنسان هو السجن الانفرادی الذی لا ینبغی استمراره مدّة طویلة بأیّة صورة، لأنّ ذلک یؤدّی به حتماً إلى حالة نفسیة من الإرتباک والمرض النفسی إلاّ أن یکون له روح عرفانیة قویّة فیأنس بالله تعالى وینقطع عن کل شیء إلاّ بالعلاقة مع ربّه وخالقه.

وطبعاً فإنّ حیاة الإنسان الاجتماعیة لا تنبع من طبیعة الإنسان فقط، بل إنّ عقل الإنسان أیضاً یقوده إلى الحیاة المشترکة من حیث إنّ الإنسان لا یمکنه أن یسیر فی طریق التکامل والرقی والحضارة إلاّ بالحیاة الاجتماعیة والتفاعل المشترک مع الآخرین والاستفادة من علومهم البشریة فی طریق الرقی والتقدّم والحضارة الکبیرة والوصول إلى قمة الترقی والتکامل.

وبشکل عام یمکن القول أنّ الانفراد والعزلة والإنزواء عن المجتمع بإمکانه أن یکون مصدراً للکثیر من المفاسد والانحرافات فی دائرة السلوک البشری ومن ذلک:

1 ـ إنّ الکثیر من الانحرافات الفکریّة والذوقیة وسوء الأخلاق تنبع من الانزواء والعزلة، ولهذا فإنّ الأفراد الذین یعیشون العزلة غالباً نجدهم یعیشون سوء الأخلاق واللّجاجة والغرور (وطبعاً فإنّ هذا الأصل له استثناءات أیضاً کما هو حال الاُصول الاُخرى).

2 ـ ومن الآثار السلبیة الاُخرى للعزلة والانزواء هو حالة العجب التی تسیطر على الإنسان، لأنّ الإنسان یعیش حب الذات غالباً فیحبّ متعلّقاته بشدّة، وکلما انخفضت علاقته مع الآخرین ولم یشاهد کمالاتهم وفضائلهم وبالتالی عُدم المیزان الذی یوزن به کمالاته الذاتیة فإنّ ذلک یتسبب فی أن یرى نفسه أعلى من الآخرین وأفضل منهم.

 ولهذا السبب نلاحظ کثیراً من الأشخاص الذین یعیشون العزلة والانفراد، أنّهم یدّعون إدعاءات کبیرة عن أنفسهم أکبر من حجمهم الحقیقی وأحیاناً تکون إدعاءاتهم عجیبة تحکی بوضوح أن هذا الإنسان غارق فی الوهم والخیال ولا یعیش الواقع ومتطلباته.

ولکن عندما یعیش الإنسان الاختلاط مع الناس ویعاشر أفراد المجتمع فسوف یرى غالباً أشخاصاً أفضل منه وأعلم وأطهر، وعلى الأقل یرى من هو مثله فی الفضل والعلم، ولهذا فسوف یبتعد عن عالم الخیال ویتجنب الإدعاءات الجوفاء والشخصیة الطوباویة التی لا تلامس الواقع.

3 ـ وأحد الآثار السلبیة الاُخرى للعزلة والانزواءسوء الظن بالناس حتى بأقرب المقربین منه، والعجیب أنّ سوء الظن یورث بدوره العزلة عن الناس کذلک، فکل منهما علّة ومعلول للآخر ویتسبب فی تعمیق سوء الظن فی جمیع الناس ویتصور أنّهم حقودین وحسودین وأنانیین، ولکن عندما یدخل إلى المجتمع ویعاشر الناس ویجد فیهم الأصدقاء الجیدین، فسوف یدرک سریعاً أنّ جمیع تلک التصوّرات السلبیة عن الناس لا حقیقة لها على مستوى الواقع والعمل.

4 ـ الغفلة عن عیوب الذات، فالإنسان وبسبب حبّه لذاته لا یرى عیوبه عادة، بل یرى عیوبه أحیاناً امتیازات وحسنات وعناصر قوة فی شخصیته، الحقیقة أنّ الإنسان یجب أن یرى عیوبه فی مرآة الآخرین ویجلس لینظر إلى حکمهم علیه ویستمع إلى انتقاداتهم وخاصة فیما لو کانوا من المجاهدین، بل قد یرى الإنسان عیوبه ونقاط ضعفه فی مرآة الحاقدین والمعاندین بصورة أفضل، لأنّهم یتحرّکون جاهدین للعثور على نقاط الضعف فی شخصیة الطرف الآخر وتفاصیل عیوبه الجزئیة، وبهذا یحرم الشخص المنزوی من هذه المزایا التی تکشف عن وجهه الحقیقی.

5 ـ الابتعاد عن تجارب الآخرین والحرمان من الاستفادة من أفکارهم وعقولهم من شأنه تحدید فکر الإنسان وعقله واقتصار حرکة الفکر على اُمور جزئیة وضیقة، ولکن إذا تعامل مع الآخرین وانفتح على الناس ولا سیما أصحاب النظر وأرباب الفکر فسوف ینفتح أمامه بحر من العلم والتجربة وسیجد ضالته فی ذلک ویکون بإمکانه حل مشکلاته بمعونة هذه العلوم والتجارب.

إنّ أحد أسرار النهضة الحضاریة العلمیة الحدیثة التی یشهدها العالم المعاصر هو تشکیل المؤتمرات والمجلس والهیئات العلمیة بحیث یجتمع فیها أصحاب الفکر والنظر من مختلف مناطق المعمورة فی کل عام، وأحیاناً فی کل شهر، ویتباحثون فی مشاکلهم العلمیة ومنتوجاتهم الفکریة فی هذه المؤتمرات ویتم بذلک انتقال العلوم وتبادل المعارف بین البشر، وأحیاناً تقوم بهذه المهمّة بعض الإذاعات وقنوات التلفزیون أیضاً.

وبکلمة واحدة: إنّ برکات وآثار الاجتماع الإیجابیة ومعطیاته الکثیرة أکثر من أن تحصى فی هذا المختصر، وما ذکر آنفاً لا یمثل سوى جانباً منها، وهکذا بالنسبة لاضرار العزلة والانزواء والآثار السلبیة المترتبة على الإبتعاد عن الناس والمجتمع.

إلهنا: لک الشکر والثناء أن وفقتنا لبیان اُصول المسائل الأخلاقیة فی دائرة المفاهیم القرآنیة ـ لأول مرّة ـ وبیان العوامل والأسباب والنتائج والآثار للسلوکیات الأخلاقیة فی بعدها الإیجابی والسلبی، وطریق تقویة الفضائل الأخلاقیة وکیفیة التصدّی للرذائل الأخلاقیة بمقدار وسعنا واُفق تفکیرنا.

ربّنا: إننا نعلم أنّ بیان الفضائل والرذائل الأخلاقیة یحملنا مسؤولیة ثقیلة فی دائرة العمل بها وتجسیدها فی سلوکیاتنا وأنفسنا أولاً، فارزقنا القدرة والإرادة للعمل بهذه المسؤولیة الخطیرة وأعنا فی هذا الطریق الصعب.

معبودنا: أنت تعلم أن النفس الامارة متمردة وعاصیة ولولا نصرک ومعونتک فی مجال تهذیب النفس فإننا عاجزون عن التصدّی لها والوقوف أمام نوازعها وشهواتها، فنسألک بالخاصة من أولیائک وبالصالحین من عبادک أن لا تترکنا فی مقابل عناصر الشر لوحدنا.

 ربّنا: نحن نعیش فی زمان رحلت عنه القیم الإنسانیة والفضائل الأخلاقیة وسادت فی مجتمعاتنا البشریة سیل الرذائل واندثرت فیه سنن الأنبیاء ومعالم سیرة الأولیاء فامتلأت الأرض بالظلم والجور، فانجز لنا ما وعدتنا من ظهور منقذ البشریة ومصلح العالم بقیة الله الأعظم الإمام المهدی(علیه السلام) واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمجاهدین بین یدیه فی الصف الأول.

(آمین یا ربّ العالمین)

نهایة الجزء الثالث

لکتاب: الأخلاق فی القرآن

آخر ذی القعدة 1421 هـ ق

 

طریق الجمع بین الآیات والروایات25 ـ النّوح بالباطل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma