کما أشرنا آنفاً أنّ الغیرة هی صفة أخلاقیة تدفع الإنسان فی طریق الدفاع المستمیت عن الدین والمذهب والعرض والبلد، وأساساً فإنّ کل حالة من الدفاع الشدید عن القیم الإنسانیة فهی تتضمّن نوع من الغیرة، ورغم أنّ هذه المفردة تستعمل غالباً فی دائرة الغیرة على العرض والناموس ولکنّ مفهومها واسع یستوعب مصادیق أکثر.
وبالطبع فإنّ هذه الصفة الأخلاقیة حالها حال الصفات الاُخرى من حیث أنّها قد یسلک بها الإنسان سبیل الافراط والتفریط وبذلک تتبدّل إلى خلق ذمیم، وذلک فی صورة ما إذا کان الدفاع المذکور یتّخذ صبغة التعصّب الذمیم والوسواس والدفاع غیر المنطقی وغیر العقلائی.
فقد ورد فی الحدیث الشریف عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «مِنَ الغِیرةِ مـا یُحِبُّ اللهُ وَمِنهـا مـا یَکرَهُ اللهُ فَأَمّا مـا یُحِبُّ فَالغِیرَةُ فِی الرِّیبَةِ وَأَمّا مـا یَکرَهُ فَالغَیرَةِ فِی غَیرِ الرِّیبَةِ».
یعنی أنّ الإنسان یتّهم زوجته مثلاً بعدم العفّة على أساس من الظن والاحتمال وتعتمل فی صدره عناصر الوسواس والشک تجاه زوجته البریئة، فمثل هذه الحالة السلبیة تکون خطرة على سلامة الإنسان والاُسرة وتؤدّی إلى تشجیع الأشخاص الأبریاء إلى الوقوع فی وحل الخطیئة وتقودهم إلى مستنقع الرذیلة.
و نقرأ فی حدیث آخر عن الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی أحد کتبه إلى إبنه الإمام
الحسن(علیه السلام) یقول: «وَإِیّاکِ وَالتَّغـایُرَ فِی غَیرِ مَوضِع غَیرَة فَإِنَّ ذَلِکَ یَدعُو الصَّحِیحَةَ إِلى السَّقمِ وَالبَرِیئَةَ إِلى الرَّیب».
وفی الحقیقة أنّ الافراط فی کل شیء مذموم وخاصة فی أمثال هذه الموارد من السلوک الأخلاقی تجاه العرض والحساسیة المفرطة تجاه سلوک الزوجات والأرحام من النساء والنظر إلى سلوکهنّ من موقع الریبة والشک والتهمة، فقد یکون هذا الأمر هو السبب فی وقوعهنّ فی وادی الرذیلة والفساد، وعلى أیّة حال إنّ هذه الموارد من الغیرة وسوء الظن تعتبر حراماً شرعاً ویجب اجتنابها والابتعاد عنها تماماً، وقد ورد فی الأخبار المتعلقة بزمن الجاهلیة أنّ أحد الأسباب المهمّة لوأد البنات هو عنصر الغیرة المنحرف واللاّمنطقی لدى هؤلاء الجاهلین حیث کانوا یقولون: إنّ من الممکن أن تکبر هذه البنات وتتعرّض للأسر من قبل أفراد القبیلة المعادیة فتکون أعراضنا فی معرض النهب والتلاعب بید الأعداء، فالأفضل أن ندفنهنّ وهنّ صغار لحفظ العرض.
1. کنز العمال، ج3، ص385، ح7067.
2. نهج البلاغة، الرسالة 31.
