یحق لمن یرید أن یختار له زوجة فی حیاته أو یسعى للعثور على شریک فی أعماله التجاریة أو موظّف یشتغل فی منصب حسّاس فی مؤسّسة معیّنة ولا یتمکن من تحقیق ذلک بدون سلوک التجسّس والتحقیق فی هذه المسألة والکشف عن زوایاها الخفیّة، فالعقل والشرع یبیحان له أن یتفحّص فی أحوال هؤلاء الأشخاص من أصدقائهم وأقربائهم وأرحامهم أو یتحرّک بنفسه لمراقبة حالاتهم وأوضاعهم من بعید لکی یحصل له الاطمئنان بصلاح هذا الشخص وأنّه مناسب لهذا الغرض الذی یسعى إلیه.
ومن المعلوم أنّ مثل هذا التحقیق والتفحّص خارج عن دائرة التجسّس الحرام، ولکن لا ینبغی اطلاقاً أن یجعل ذلک ذریعة للتدخل إلى حریم الحیاة الخاصة للأفراد، فلو أنّه لم یصمم فعلاً على الزواج من تلک المرأة أو یستخدم الشریک الفلانی فلا یجوز له بهذه الذریعة أن یتجسّس على أحوالهم ولکنّه یبرّر عمله هذا بالقول بأنّه یمکن أن تحصل لدیه حاجة یوماً من الأیّام لمثل هذه المعلومات التی اکتسبها عن طریق التجسّس، فمثل هذه التبریرات الشیطانیة لا یمکن أن تعتبر مجوّزاً للتعدّی على حدود الشرع وارتکاب الحرام.
والخلاصة أنّ کلّ شکل من أشکال الافراط والتفریط فی هذه المسألة یتسبب فی الانحراف عن تعالیم الإسلام الأصلیة، وبعبارة اُخرى: أنّه لا یمکن الابتعاد عن التجسّس والفحص والتحقیق فی اُمهات المسائل الاجتماعیة والضرورات الحیاتیة للمجتمع بسبب حرمة التجسّس وبالتالی تتعرّض مصالح الاُمّة للخطر ومؤامرات الأعداء، ولا یمکن کذلک تعریض مصالح الاُمّة للخطر من جهة التدخل فی خصوصیات الحیاة الفردیّة للأشخاص التی لا ترتبط من قریب أو بعید بالمصالح العامة وبذریعة جواز التجسّس فی دائرة الاستثناء، فکلا هذین الأمرین خارج عن حدود الحق والعدالة وبعید عن مفاهیم الإسلام.