نظراً لأنّ النمیمة تعدّ أشنع الظواهر الاجتماعیة التی تنخر فی مفاصل المجتمع البشری وتکون مصدراً ومنبعاً لکثیر من المفاسد الاُخرى وحتى القتل وسفک الدماء، فلذلک نجد أنّ الأحادیث الإسلامیة قد نهت عن هذا السلوک الذمیم بشدّة وجاء فی مضامین هذه الروایات ما یثیر العجب من وخامة هذه الظاهرة وبشاعة هذا السلوک ومنها:
1 ـ ما ورد فی الحدیث الشریف عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال یوماً لأصحابه: «أَلا اُنَبِّئُکُم بِشَرارِکُم، قَالُوا: بَلى یـا رَسُولَ اللهِ، قـالَ: المَشـّاؤُونَ بِالنَّمِیمِةِ وَالمُفَرِّقُونَ بَینَ الأَحِبَّةِ البـاغُونَ لِلبُرآءِ المَعـایبِ».
النمیمة بمعنى الصوت الواطیء الهادیء والذی یصدر من حرکة شیء أو اصطدام قدم الإنسان فی الأرض حال المشی، وبما أنّ النّمام عادة یتحدّث من موقع النمیمة بهدوء وإخفات لکی یلقی فی نفس السامع أنّه یحمل إلیه خبراً مهمّاً، ولذلک أطلقت هذه الکلمة على النّمام ومن یسعى بین الأشخاص من موقع التفرقة وإثارة الاختلاف.
وذهب البعض إلى أنّ النمیمة فی الأصل بمعنى تزیین الکلام الباطل والکاذب (لأنّ الشخص النّمام یسعى إلى أن یلبس لکلامه الکاذب لباساً جمیلاً).
وشبیه هذا المعنى ورد أیضاً عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام).
2 ـ وجاء فی حدیث آخر عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «الجَنَّةُ مُحَرَّمَةٌ عِلى القَتّـاتِینَ المَشـّائِینَ بِالنَّمِیمَةِ».
«قتّات) من مادة قت (على وزن شط) وهی فی الأصل بمعنى الکذب وإستراق السمع، سواءاً کان یحمل فی طیّاته النمیمة أم لا، وعلیه فإنّ القتّات هو الشخص الذی یرید أن یطّلع على أسرار الناس ویسعى بینهم لإفساد ذات البین والذی یقترن أحیاناً بالنمیمة أیضاً.
وقد ورد فی بعض الروایات وکتب اللغة أنّ القتّات والنّمام بمعنى واحد.
3 ـ وجاء فی حدیث آخر عن أبی ذر(رضی الله عنه) عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «یـا أَبـا ذَر صـاحِبُ النَّمِیمةِ لا یَستَرِیحُ مِنْ عَذابِ اللهِ فِی الآخِرَةِ».
4 ـ وورد فی حدیث آخر تعبیر أشدّ عن الأشخاص النّمامین حیث قال رسول الله(صلى الله علیه وآله)فی أحد خطبه: «وَمَنْ مَشى فِی نَمِیمَة بَینَ إِثنَینِ سَلَّطَ اللهُ عَلَیهِ فِی قَبرِهِ نـاراً تُحرِقُهُ إِلى یَومِ القِیـامَةِ».
5 ـ وفی حدیث آخر عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «أَصـابَ بَنِی إِسرائِیلَ قَحطٌ فاستَسقى مُوسى مَرات فَما اُجِیبَ فَأَوحى اللهُ تَعالى إِلَیهِ إِنی لا أَستَجِیبُ لَکَ وَلِمَنْ مَعَکَ وَفِیکُم نَمَّام قَدْ أَصَرَّ عَلى النَّمِیمَةِ، فَقـالَ مُوسى: یـارَبِّ مَنْ هُوَ حَتّى نُخرِجُهُ مِنْ بَینِنا؟ فَقـالَ: یـا مُوسى أَنهـاکُم عَنْ النَّمِیمَةِ وَأَکُونَ نَمّاماً فَتـابُوا بِأَجمَعِهِم فَسُقُوا».
6 ـ وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق أنّه قال: «أَربَعَةٌ لا یَدخُلُونَ الجَنَّةَ: الکَاهِنُ وَالمُنـافِقُ وَمُدمِنُ الخَمرِ وَالقَتَّاتُ وَهُوَ النَمـامُ».
7 ـ ورد عن أمیر المؤمنین(صلى الله علیه وآله) قوله: «النَّمَّـامُ جِسرُ الشَّرِّ».
8 ـ وفی حدیث آخر عن الإمام(صلى الله علیه وآله) نفسه أنّه قال: «لا تَجتَمِعُ أَمـانَةٌ وَنَمِیمَةٌ»، أی الشخص النمّام هو خائن أیضاً.
9 ـ ونختم البحث بحدیث آخر عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) رغم وجود أحادیث کثیرة فی هذا
الباب، قال: «إِنَّ أَحَبَّکُم إِلى اللهِ الَّذِینَ یُؤلَفُونَ وَیَألِفُونَ وإِنَّ أَبغَضَکُم إِلى اللهِ المَشّـاؤونَ بِالنَّمِیمَةِ المُفَرِّقُونَ بَینَ الإخوانِ».
ومن مجموع هذه الأحادیث یستفاد جیداً أنّ النمیمة تعتبر من الذنوب الکبیرة والخطرة جدّاً وتسبب خسران الدنیا والآخرة، والأشخاص الذین یرتکبون هذا الفعل الشنیع ویفرّقون بین الأحبّة والأقرباء لا یرون سیماء الجنّه أبداً إلاّ بأن یتوبوا من ذنوبهم ویتحرّکون على مستوى جبران أعمالهم وإصلاح ما أفسدوه، ومن خلال هذه الروایات نرى إشارات عمیقة إلى حکمة تحریم هذا العمل السیء وآثاره السلبیة على الفرد والمجتمع حیث سیأتی تفصیل ذلک فی الأبحاث اللاحقة أیضاً.
1. وسائل الشیعة، ج8، ص616.
2. مقتبس من مفردات الراغب، (مصطلح النمیمة).
3. مقتبس من لسان العرب (من مصطلح النمیمة).
4. وسائل الشیعة، ج8، ص617.
5. المصدر السابق.
6. وسائل الشیعة، ج 8، ح4.
7. المصدر السابق، ص618، ح6.
8. المحجة البیضاء، ج5، ص276.
9. وسائل الشیعة، ج8.، ص619، ح11 (باب تحریم النمیمة).
10. المحجة البیضاء، ج5، ص279.
11. غرر الحکم.
12. آثار الصادقین، ج24، ص416.
