تفسیر واستنتاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
تنویهالنمیمة فی الروایات الإسلامیة

«الآیة الاُولى»: تحذّر الأشخاص الذین یتحرّکون فی تعاملهم مع الآخرین من موقع السخریة والإستهزاء:(وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَة لُمَزَة).

أمّا تفسیر (همزة) و(لمزة) والفرق بینهما هناک کلام کثیر بین المفسّرین وقد تحدثنا عنه فی التفسیر الأمثل ذیل الآیة الشریفة، والمهم هو أنّه على أحد التفاسیر فإنّ المراد من الآیة أعلاه هو الإشارة إلى الأشخاص الذین یتحرّکون على مستوى النمیمة بین الأفراد، وقد سئل ابن عباس عن المقصود من هذه الآیة، ومن هم هؤلاء الذین یهدّدهم الله تعالى بالویل، فقال: ابن عباس: «هُم المَشـاؤونَ بِالنَّمِیمَةِ المَفَرِّقُونَ بَینَ الأَحِبَّةِ النَّاعِتُونَ لِلنّاسِ بِالعَیبِ».

ویذکر المرحوم الطبرسی فی (مجمع البیان) هذا المعنى بعنوان أول تفسیر له لهذه الآیة، والفخر الرازی یذکره بعنوان التفسیر التاسع والأخیر لهذه الآیة، ونظراً للمفهوم الواسع الذی یدخل فی مضمون (همزة ولمزة) فإنّ کل أشکال الغیبة والنمیمة والسخریة تندرج تحت مفهوم هذه الآیة، وهنا نرى أنّ الله تعالى قد وعد هؤلاء الأشخاص بالعقاب الشدید وهو (الحطمة) وهی النار التی سعّرها الله تعالى فی قلوب هؤلاء بحیث تندلع من قلوبهم لتستوعب کل وجودهم.

ویستفاد من هذه الآیة أنّ نار الآخرة بخلاف نار الدنیا، فإنّها تنبع من داخل النفس وأعماق القلب ثم تسری إلى الظاهر، ولعلّ ذلک بسبب أنّ الرذائل الأخلاقیة والأعمال القبیحة تنبع من ذات الإنسان وأعماقه ثم تظهر على السطح على شکل ممارسة عملیة فی الواقع الخارجی.

«الآیة الثانیة»: تخاطب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وتنهاه عن إطاعة هؤلاء النمّامین بعد عدّة أقسام وتقول: (وَلاَ تُطِعْ کُلَّ حَلاَّف مَهِین * هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِیم)

وتبعاً لهذه الصفات الأخلاقیة القبیحة تضیف الآیات التالیة صفات اُخرى من قبیل المنع من عمل الخیر، العدوان، الحقد، الخشونة، الکفر بآیات الله تعالى، ثم تقول: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) وهکذا سیفتضح أمره فی الدنیا والآخرة.

أمّا ذکر النمیمة فی تسلسل الرذائل المهمّة الاُخرى وکذلک الکفر بآیات الله تعالى یدل على قبح هذه الخصلة الشنیعة فی سلوک الإنسان.

وعبارة «مشّاءِ بنمیم» جاءت بصیغة المبالغة، وهی إشارة إلى الأشخاص الذین یتحرّکون دائماً بین الناس بالنمیمة ویثیرون العداوة والبغضاء فیما بینهم، وهذا بحدّ ذاته یعدّ من أهم الذنوب الکبیرة.

(حلاّف) یطلق على الشخص الذی یحلف ویقسم بالله کثیراً، وعادة فمثل هؤلاء الأشخاص لا یعتمد الناس علیهم ولا هم یعتمدون على أنفسهم، ووصفهم بکلمة (مهین) أیضاً شاهد آخر على هذا المعنى، ولهذا فإنّهم وبدافع من شعورهم بالحقارة والذلة یعیبون على الآخرین ویمشون بینهم بالنمیمة والفساد وکأنّهم یتألمون ممّا یرون من المحبّة والاُلفة والتکاتف بین الناس ویریدون ایقاع العداوة والحقد بین الأشخاص کما هو حالهم فی أنظار الناس حیث ینظر الناس إلیهم نظرة الحقارة والازدراء.

«الآیة الثالثة»: وطبقاً لسبب نزولها المعروف تتحدّث عن (الولید بن عقبة) الذی أرسله رسول الله(صلى الله علیه وآله) لجمع الزکاة من قبیلة (بنی المصطلق): إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)بعث إلیهم بعد إسلامهم الولید بن عقبة بن أبی معیط، فلما سمعوا به رکبوا إلیه، فلما سمع بهم هابهم فرجع إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) فأخبره أنّ القوم قد همّوا بقتله ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم فأکثر المسلمون فی ذکر غزوهم حتّى همّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) بأن یغزوهم، فبینما هم على ذلک قدِم وفدهم على رسول الله(صلى الله علیه وآله) فقالوا: «یا رسول الله سمعنا برسولک حین بعثته إلینا فخرجنا إلیه لنکرمه ونؤدی إلیه ما قبلنا من الصدقة فانشمر راجعاً فبلغنا أنّه زعم لرسول الله(صلى الله علیه وآله)أنا خرجنا إلیه لنقتله ووالله ما جئنا لذلک، فأنزل الله تعالى فیه وفیهم:

(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ)»(1).

فبعث رسول الله(صلى الله علیه وآله) خالد بن الولید وأمره أن یتثبّت ولا یعجل، فانطلق خالد حتّى أتاهم لیلاً، فبعث عیونه، فلما جاؤوا أخبروا خالداً أنّهم متمسکون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذکروه، فعاد إلى نبی الله(صلى الله علیه وآله)فأخبره، فنزلت هذه الآیة، فکان یقول نبی الله(صلى الله علیه وآله): «التَّأَنِی مِنَ اللهِ وَالعَجَلَةُ مِنَ الشّیطانِ»(2).

وطبقاً لحدیث شریف عن الإمام الصادق(علیه السلام) فإنّ الآیة محل البحث تشیر إلى النمّام(3).

ومن هنا یتّضح أنّ النمیمة تشمل الکذب أیضاً.

«الآیة الرابعة»: من الآیات محل البحث أوردها بعض العلماء کالعلاّمة المجلسی فی بحث النمیمة وقال: إنّ من یشفع شفاعة سیئة الوارد فی هذه الآیة (وَمَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْهَا) له مفهوم واسع ویشمل النمیمة أیضاً لأنّها شفاعة سوء بالحقیقة، بل هی أسوأ حیث یشعل النّمام نار العداوة بین الرجلین من المسلمین فیتحرّکوا فیما بینهما من موقع سوء الظن والحقد والکراهیة، ولذلک ورد فی الحدیث النبوی الشریف قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): «مَنْ أَمَرَ بِسُوء أَو دَلَّ عَلَیهِ أَو أَشـارَ فَهوَ شَرِیکٌ».

«الآیة الخامسة»: تتحدّث عن إصلاح ذات البین والذی یقع فی النقطة المقابلة للنمیمة وإفساد ذات البین، وتقول: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِکُمْ وَأَطِیعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ).

وقد ورد فی سبب نزول هذه الآیة أنّها نزلت بعد غزوة بدر حیث حدثت بین رجلین من الأنصار مشاجرة لفظیة على الغنائم الحربیة، وصرّحت الآیة بأنّ الغنائم الحربیة أمرها بید النبی(صلى الله علیه وآله) وعلیکم أن تسعوا لإصلاح ذات البین وإزالة الفرقة والاختلاف بین المسلمین.

«الآیة السادسة»: تشیر إلى الذین یجعلون الله عرضة لأیمانهم فی تقواهم واصلاح ذات البین: (وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لاَِیْمَانِکُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَیْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ).

وقد ورد فی تفسیر هذه الآیة رأیان:

الأول: أنّ هذه الآیة ناظرة إلى الأشخاص الذین تتملکهم الحدّة أحیاناً فیقولون: سوف لا نفعل الخیر أبداً لفلان وفلان، أو لا نتحرّک لغرض الإصلاح فیما بینهم، فنزلت الآیة الشریفة وقالت إنّ هذه الإیمان باطلة فلا شیء یمکنه أن یمنع عمل الخیر والإصلاح بین الناس (وقد ذکر لهذه الآیة سبب لنزولها یؤیّد هذه الرؤیة حیث ذکر أنّه حصل اختلاف بین زوجین أحدهما بنت أحد الصحابة ویدعى (عبدالله بن رواحة) وقد حلف هذا الصحابی أن لا یقدم على إصلاح ما بینهما من الخلاف والنزاع، ونزلت الآیة وأکّدت على بطلان مثل هذا القسم).

الثانی: هو أنّ هذه الآیة تنهى عن القسم لغرض أعمال الخیر والتقوى والإصلاح بین الناس، لأنّ رجحان مثل هذه الأعمال وفضلها إلى درجة من الوضوح بحیث لا یحتاج إلى القسم.

وعلى أیّة حال فانّ أهمیّة إصلاح ذات البین یتّضح من هذه الآیة جیداً وخاصة أنّها ذکرت هذه الفضیلة إلى جانب أعمال الخیر والتقوى والبر.

 

ّتتحرک «الآیة السابعة»: من موقع الحدیث عن النجوى بین الأشخاص والذی قد یتسبب أحیاناً فی أذى الآخرین وسوء ظنّهم، وأحیاناً یوفّر الأرضیة المساعدة لتنفیذ خدع الشیطان ولذلک تقول الآیة: (لاَ خَیْرَ فِی کَثِیر مِنْ نَجْوَاهُمْ).

ولکنّها تضیف مباشرة هذا الاستثناء: (وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً).

إنّ استثناء مسألة إصلاح ذات البین من الذم للنجوى من جهة، وجعل الإصلاح إلى جانب الصدقة والمعروف من جهة اُخرى، وکذلک بالوعد بالثواب العظیم علیه من جهة ثالثة کلّها شاهد على أهمیة هذا الفعل والسلوک الإنسانی.

أمّا ما الفرق بین الصدقة والمعروف؟ فقد ذهب البعض إلى أنّ الصدقة تعنی المعونة المالیة بلا عوض، والمعروف هو القرض الحسن، وذهب بعض آخر إلى أنّ المعروف له مفهوم عام یشمل جمیع أفعال الخیر (وعلیه تکون النسبة بین الصدقة والمعروف نسبة العموم والخصوص المطلق).

وجاء فی الحدیث الشریف عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّ أحد أفضل الصدقات التی یحبّها الله ورسوله(صلى الله علیه وآله) هو (إصلاح ذات البین) ویقول: «ألا أَدُلُّکَ عِلى صَدقَة یُحبُّهـا اللهُ وَرَسُولُهُ؟ تُصلِحْ بَینَ النّاسِ إِذا تَفـاسَدُوا وَتَقَرِّبْ بَینَهُم إِذا تَبـاعَدُوا»(4).

وعلیه فإنّ إصلاح ذات البین ذکر بشکل مستقل تارةً، واُخرى بعنوانه أحد المصادیق البارزة للصدقة والمعروف، وبتعبیر آخر أنّ إصلاح ذات البین هو المصداق الکامل للمعروف والصدقة فی هذا المورد.

وجاءت «الآیة الثامنة»: والأخیرة من الآیات محلّ البحث لتتحدّث عن منهج أحد الأنبیاء العظام باسم (شعیب(علیه السلام)) حیث یبیّن للناس هدفه (... إِنْ أُرِیدُ إِلاَّ الاِْصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)، وهذا الهدف یشترک فیه جمیع الأنبیاء الإلهیین على مستوى إصلاح العقیدة، إصلاح الأخلاق، إصلاح العمل، وإصلاح الروابط الاجتماعیة بین أفراد المجتمع.

وذهب بعض المفسّرین فی تفسیر کلمة الإصلاح أنّ مفهومها هو أَننی اُرید إصلاح دنیاکم بالعدالة وآخرتکم بالعبادة، ولکن من الواضح أنّ الإصلاح له مفهوم واسع یستوعب العدالة وغیرها أیضاً.

ثمّ إنّ الآیة الشریفة تذکر أنّ النبی شعیب(علیه السلام) ولغرض التوفیق فی هذا الأمر المهم، أی إصلاح دین ودنیا الناس فی جمیع الموارد یطلب من الله تعالى التوفیق لذلک یقول: (وَمَا تَوْفِیقِی إِلاَّ بِاللهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ).

واللطیف أنّ النبی شعیب(علیه السلام) قال هذا الکلام فی حین أنّ قومه کانوا قد غرقوا فی دوامة الفساد المالی والأخلاقی، بحیث کانوا یعدّون نهی شعیب إیّاهم عن عبادة الأصنام والتطفیف فی المیزان والفساد المالی مخالف لحریتهم ویقولون: نحن نتعجّب منک ومن عقلک أنّک ترید أن تقف أمام حرّیتنا على مستوى الفکر والعمل، وکأنّهم مثلما نجده من بعض الناس فی هذا الزمان الذین لا یدرکون جیداً المفهوم الصحیح للحرّیة ولا یعلمون أولا یریدون أن یعلموا أنّ الحریة التی یفتخر بها الإنسان لابدّ وأن تکون مؤطّرة باطار القیم الأخلاقیة والمثل الإنسانیة وإلاّ فإنّ مصیر الناس إلى الضلال والانحراف والسقوط، وبذلک أجابهم النبی شعیب(علیه السلام)أنّ هدفی هو الإصلاح بالمعنى الواقعی للکلمة لا الاستسلام لأهوائکم وطموحاتکم الدنیویة.

والملفت للنظر أنّ قوم شعیب وصفوا نبیّهم بأنّه إنسان عاقل ورشید (إِنَّکَ لاََنْتَ الْحَلِیمُ الرَّشِیدُ)، ولکنّهم بمجرد أن رأوا هذا النبی یقف أمام مطامحهم ویتصدّى لإصلاح فسادهم المالی والعقائدی، فإنّهم برزوا له بالمخالفة والعناد.

ومن مجموع الآیات أعلاه تتّضح نقطتین مهمّتین:

الاُولى: هی أنّ النمیمة والسعی لإیجاد الاختلاف بین الناس یعدّ من أکبر الذنوب وأقبح الصفات الأخلاقیة الرذیلة.

 

الثانیة: أنّ الإصلاح بین الناس یعدّ أحد الوظائف المهمّة الإلهیة والإنسانیة والتی لا یمکن إهمالها والتغاضی عنها بأی دلیل.

 


1. سیرة ابن هشام، ج3، ص308.
2. تفسیر القرطبی، ج9، ص6131.
3. مستدرک سفینة البحار، ج10، ص152.
4. تفسیر القرطبی، ج3، ص1955.

 

تنویهالنمیمة فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma