إنّ الحیاة الاجتماعیة تتزامن دائماً مع أشکال التضاد والنزاع بین أفراد المجتمع، وأحد فروع التضاد والتزاحم بین الأفراد هو النزاع الکلامی الذی قدیمتد ویتعمّق إلى أن یصل إلى شجار وصراع بین الأطراف وقد یصل أحیاناً إلى سفک الدماء أیضاً.
فالواجب على أفراد المجتمع أن یتحرّکوا من موقع إصلاح ذات البین ورفع سوء التفاهم وتهیئة الأرضیة لایجاد جو حسن الظن بین الأطراف المتنازعة وکما فی الاصطلاح: یصبوا الماء على نار الصراع ویعملوا على تهدئة التوتر الناشیء من حالات الشجار والتضاد.
ولکن مع الأسف فإنّ بعض الناس وبدوافع مختلفة یتحرّکون على العکس من هذا الاتّجاه وکأنّهم یریدون صبّ الزیت على النار ویرغبون فی إتساع دائرة الحریق، ومن المعلوم أنّهم سیشترکون فی جمیع المفاسد المترتبة على هذا النزاع والصراع بین أفراد المجتمع، هؤلاء یتحرّکون فی هذا الاطار على مستوى إیصال کلام هذا الطرف إلى الطرف الآخر وبالعکس وقد یضیفون بعض الکلام من أنفسهم ویوصلونه إلى الطرف المتخاصم، وهذا هو معنى (النمیمة) التی هی من أسوأ الأخلاق الذمیمة فی النفس البشریة فی حین أنّ الفئة الاُولى هم المصلحون الاجتماعیون الذین یعدّ عملهم فی مرتبة الجهاد فی سبیل الله.
وقد ورد فی الروایات الشریفة أنّه: «أنَّ أَجرَ المُصلِحِ بَینَ النّاسِ کَأجرِ المُجـاهِدِ بَینَ أَهلِ الحِربِ»(1).
إنّ النمیمة کلّما تکرّرت فی سلوک الفرد فإنّ من شأنها أن تکون خلقاً وملکة وسجیّة فی هذا الإنسان، ومن رذائله الأخلاقیة القبیحة، وقد وردت فی الآیات الکریمة والروایات الإسلامیة إشارات کثیرة إلى هذه الرذیلة الأخلاقیة على مستوى ذمّها وتقبیح المرتکب لها، وعلى العکس من ذلک فقد ورد المدح الکثیر لعملیة إصلاح ذات البین.
وبهذه الإشارة نعود إلى القرآن الکریم لنستوحی من ایاته ما یتعلق بهاتین الصفتین الأخلاقیتین ثمّ نستعرض کل واحدة منهما من موقع الدوافع والنتائج والآثار الإیجابیة والسلبیة وطرق علاج صفة النمیمة وکذلک تقویة ضدّها وهی إصلاح ذات البین:
1 ـ (وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَة لُمَزَة)(2).
2 ـ (وَلاَ تُطِعْ کُلَّ حَلاَّف مَهِین * هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِیم * مَنَّاع لِلْخَیْرِ مُعْتَد أَثِیم * عُتُلّ بَعْدَ ذَلِکَ زَنِیم)(3).
3 ـ (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ)(4).
4 ـ (مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً یَکُنْ لَهُ نَصِیبٌ مِنْهَا وَمَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْهَا وَکَانَ اللهُ عَلَى کُلِّ شَیْء مُقِیتاً)(5).
5 ـ (یَسْأَلُونَکَ عَنْ الاَْنْفَالِ قُلْ الاَْنْفَالُ للهِِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِکُمْ وَأَطِیعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ)(6).
6 ـ (وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لاَِیْمَانِکُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَیْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(7).
7 ـ (لاَ خَیْرَ فِی کَثِیر مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاَح بَیْنَ النَّاسِ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً).(8)
8 ـ (... إِنْ أُرِیدُ إِلاَّ الاِْصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِیقِی إِلاَّ بِاللهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ)(9).