إنّ أفضل طریق لتبیین الحقائق والوصول إلى الأفکار الصحیحة والنتائج السلیمة هو البحث المنطقی الخالی من کل أشکال التعصب والعناد، لأنّ الأفکار عندما تتلاقح وتضم بعضها إلى البعض الآخر وتتصل القابلیات والعقول فسیسطع نور المعرفة لیضیء کل شیء.
ولکن إذا کانت أجواء البحث یسودها التعصّب واللجاجة والأنانیّة والخشونة، وبکلمة واحدة المراء، فإنّ ذلک من شأنه أن یغطی على الحقائق الواضحة ویسدل ستار الظلمة على الواقعیات، فمهما استمر البحث والجدال فإنّ الحجب تزداد على وجه الواقع.
ولهذا السبب فإنّ الإسلام وقف من الجدال والمراء، أو بتعبیر آخر: التعصّب بالبحث وإثبات تفوّق الأنا على الطرف المقابل ولیس ذلک لغرض تبین الحق وکشف الحقیقة، موقفاً سلبیاً وعدّ ذلک من الذنوب الکبیرة، لأنّ المراء بإمکانه أن یجعل سدّاً کبیراً فی طریق فهم الحقیقة والوصول إلى الواقعیات.
وبالطبع سوف نشیر لاحقاً إلى الفرق بین الجدال والمراء باذن الله تعالى، ولکنّ الهدف هنا الإشارة السریعة إلى موقف الإسلام السلبی من هذا الخلق الذمیم أی الجدل والمراء، وموقفه الإیجابی وثنائه على الأشخاص الذین یتحرّکون فی بحثهم العلمی ومناقشاتهم
الفکریة من موقع البحث المنطقی لغرض الکشف عن الحقیقة وتوخّی العدالة.
وبهذه الإشارة السریعة نعود إلى القرآن الکریم لنرى موقفه من هاتین الخصلتین:
1 ـ (یُجَادِلُونَکَ فِی الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَیَّنَ کَأَنَّمَا یُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ یَنظُرُونَ)(1).
2 ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِی هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَل وَکَانَ الاِْنسَانُ أَکْثَرَ شَیْء جَدَلا)(2).
3 ـ (وَمِن النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللهِ بِغَیْرِ عِلْم وَیَتَّبِعُ کُلَّ شَیْطَان مَرِید)(3).
4 ـ (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللهِ بِغَیْرِ عِلْم وَلاَ هُدىً وَلاَ کِتَاب مُنِیر)(4).
5 ـ (إِنَّ الَّذِینَ یُجَادِلُونَ فِی آیَاتِ اللهِ بِغَیْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلاَّ کِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِیهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ)(5).
6 ـ (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَیْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَکَ إِلاَّ جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(6).
7 ـ (وَإِنَّ الشَّیَاطِینَ لَیُوحُونَ إِلَى أَوْلِیَائِهِمْ لِیُجَادِلُوکُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّکُمْ لَمُشْرِکُونَ)(7).
8 ـ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِی الْحَجِّ)(8).
9 ـ (أَلاَ إِنَّ الَّذِینَ یُمَارُونَ فِی السَّاعَةِ لَفِی ضَلاَل بَعِید)(9).
10 ـ (وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتََمارَوْا بِالنُّذُرِ)(10).