إنّ الکذب کما هو فی سائر الصفات الرذیلة له أسباب ودوافع مختلفة وأهمّها:
1 ـ ضعف الإیمان والعقیدة، لأنّه لو کان الکاذب عالماً بأنّ الله تعالى قادر رحیم وعالم بأمره فإنّه لا یجد فی نفسه حاجة إلى الکذب فی سبیل تحصیل المال أو نیل الجاه والمقام، ولا یرى أنّ توفیقه فی حرکة الحیاة مرتبط بالکذب ولا یخاف من الفقر ولا من تفرق الناس من حوله وزوال موقعیته الاجتماعیة وقدرته على الکسب والرزق بل یرى ذلک مرتبط بالله تعالى فلا یحتاج إلى الکذب فی نیل تحصیلها ولذلک ورد فی الروایة الشریفة عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «جـانِبُوا الکِذْبَ فإنَّ الکِذْبَ مُجانِبُ الإیمـانَ»(1).
2 ـ والآخر من دوافع الکذب هو ضعف الشخصیة وعقدة الحقارة، فالأشخاص الذین یعیشون هذه الحالة من ضعف الشخصیة والحقارة یضطرون إلى التستر على ضعفهم ودناءتهم من خلال استخدام الکذب، وقد ورد عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «لا یَکذِبُ الکَاذِبُ إِلاّ مِنْ مَهـانَةِ نَفسِهِ عَلَیهِ»(2).
3 ـ ومن دوافع الکذب أیضاً حالات الحسد والبخل والتکبّر والغرور والعداوة بالنسبة
إلى الآخرین حیث یدفعه ذلک إلى إتهامهم بما لیس فیهم أو التحدّث عنهم من موقع الکذب، وما دامت هذه الحالات السلبیة تعتلج فی ذات الإنسان وباطنه فإنّه سوف لا یجد خلاصاً من الکذب.
ولهذا نرى أنّ المنافقین یتوسلون بحبل الکذب للتغطیة على واقعهم السیء کما تقدّمت الإشارة إلیه سابقاً.
4 ـ وممّا یورث الکذب لدى البعض هو الأمراض الأخلاقیة والاجتماعیة والتلّوث بأنواع الذنوب والانحراف عن خط الحق والفطرة بحیث یصل به الحال إلى أن یقول: إننی إذا لم أکذب فسوف لا أستطیع التعامل مع الآخرین ونیل الموفقیة فی حرکة الحیاة الاجتماعیة من الکسب والتجارة وأمثال ذلک.
5 ـ الدوافع الاُخرى لشیوع الکذب هو العلاقة الشدیدة بالدنیا وحفظ المقامات الاجتماعیة وحتّى أنّه قد یتوسل إلى ذلک بالکذب على الله ورسوله.
ونقرأ فی الخطبة 147 من نهج البلاغة قول أمیرالمؤمنین(علیه السلام): «وإِنّه سَیأتِی عَلَیکُم بَعدِی زَمـانٌ لَیسَ فِیهِ شَیءٌ أَخفَى وَلا أَظهَرَ مِنَ البـاطِلِ وَلا أَکثَرَ مِنَ الکِذبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ».