ورغم أننا نفهم من هذه المفردة وضوح المعنى والمفهوم، ولکن فی نفس الوقت هناک
خلاف کثیر بین العلماء فی تعریفها، فالبعض ذهب إلى أنّ الصدق هو مطابقة محتوى الکلام للواقع، فی حین ذهب البعض الآخر إلى أنّ الصدق هو مطابقة الکلام لاعتقاد الشخص واستدل بالآیة الشریفة من سورة المنافقین حیث یقول تعالى: (إِذَا جَاءَکَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَکَاذِبُونَ).
ومن البدیهی أنّ المنافقین الذین یشهدون على نبوّة الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) تکون شهادتهم هذه مطابقة للواقع، ولکن بما أنّها غیر مطابقة لاعتقادهم، فلذلک ذکرهم الله تعالى بأنّهم کاذبون ونسبهم إلى الکذب، لأنّ هؤلاء یستخدمون هذه الشهادة بنبوّة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)کأداة للتغطیة على شخصیتهم حیث یکون مفهوم کلامهم أنّ هذه الشهادة مطابقة لاعتقادهم الباطنی، وبما أنّ هذا الکلام غیر مطابق لواقعهم، فلذلک کانوا کاذبین، أی أنّ هؤلاء یکذبون فی ادعاءاتهم أنّ هذه الشهادة مطابقة لمعتقدهم الباطنی، وعلى هذا الأساس یتبیّن أنّ الصدق على کل حال هو تطابق الکلام مع الواقع سواءاً کان الواقع الخارجی أو الباطنی.
ولکننا نقرأ فی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) تعریفاً آخر للصدق والکذب وهو ناظر إلى بعد العبودیة لله تعالى حیث یقول: «الصِّدقُ مُطـابَقَةُ المنَطِقِ لِلوَضعِ الإِلَهی والکِذبُ زَوالُ المَنطِقِ عَنِ الوَضعِ الإِلَهی».
والمقصود من الوضع الإلهی ظاهراً هو وضع عالم الخلقة والوجود، الذی یتحرّک بإرادة الله تعالى، وعلیه فإنّ هذا التعریف لا یخرج عن إطار التعریف السابق إلاّ بدخوله فی دائرة المضمون التوحیدی.
وبالطبع فإنّ الصدق والکذب کما یجریان فی کلام الشخص فکذلک یجریان فی عمله وسلوکه أیضاً، فالأشخاص الذین یخالف عملهم ظاهرهم فإنّهم کاذبون من هذه الجهة، والأشخاص الذین یتطابق ظاهرهم مع باطنهم وأعمالهم، فإنّهم صادقون أیضاً.
1. سورة المنافقون، الآیة 1.
2. غرر الحکم.
