تفسیر واستنتاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
تنویهالغیبة فی الروایات الإسلامیة

تنطلق «الآیة الاُولى» لتتحدث بصراحة عن ثلاث أشیاء نهى القرآن الکریم عنها، الأول: سوء الظن، ثم التجسس، ثم الغیبة، ومعلوم أنّ سوء الظن یقود الإنسان إلى التجسس على أحوال الآخرین وکشف أسرارهم، وبما أنّ کل إنسان لا یخلو من نواقص ونقاط ضعف، فسوف تنکشف من خلال التجسس، وبالتالی تکون موضوعاً للغیبة.

هذا وأنّ القرآن الکریم اهتمّ بمسألة الغیبة فی هذه الآیة أکثر من اهتمامه بمسألة سوء الظن والتجسس حیث تحرک فی استجلاء مضمونها من موقع الاستدلال وقال:

(وَلاَ یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ).

هذا التشبیه یشکل فی الواقع دلیلاً منطقیاً یبیّن جمیع أبعاد المسألة، فالشخص الغائب قد شبّه هنا بالمیت، والرابطة معه هی رابطة الاخوة، وسمعته وشخصیته بمثابة جسده، وغیبته بمثابة أکل لحمه، وهو العمل الذی ینفر منه وجدان کل فرد مهما کان ضعیفاً، ولا یجد کل إنسان الاستعداد لارتکابه حتى فی أشدّ الظروف وأقسى الحالات.

وهذا التشبیه یمکن أن یکون إشارة إلى نکات اُخرى کثیرة: فمن جهة أنّ الشخص الغائب مثل المیت فی عدم قدرته على الدفاع عن نفسه، والتهجم على من لا یقدر على الدفاع عن نفسه یعدّ من أسوأ الحالات الأخلاقیة فی الدناءة والحقارة.

ولا شک أیضاً أن تناول المیتة لا یتسبب فی سلامة البدن والروح، بل یفضی إلى الابتلاء بأنواع الأمراض، وعلیه فإنّ المستغیب إذا ما استطاع اطفاء نار حسده وحقده بواسطة الغیبة وبصورة مؤقتة، فسوف لا یمضی وقت طویل حتى تورق بذور المفاسد الأخلاقیة التی زرعها فی قلبه وتعمل على زیادة قلقه وتوتره النفسی.

وکما أنّ الحیوان أو الإنسان الآکل للمیتة یتسبب فی انتشار الأمراض والمیکروبات فی الوسط الذی یعیش فیه، فکذلک الشخص المستغیب یعمل على إشاعة الفحشاء والمنکر بین المسلمین بذکره عیوب وذنوب الآخرین المستورة.

عندما یذکر القرآن الکریم هذا المثال بتفاصیله الدقیقة فإنّه یروم إلى تثویر وجدان الإنسان وفطرته تجاه هذا الذنب الکبیر، ولعل هذا هو السبب فی حکایة الآیة المثال المذکور بصیغة سؤال لکی یجد الإنسان الجواب بنفسه فی أعماق وجدانه وبالتالی یکون تأثیره أکبر فی واقع الإنسان وأحاسیسه حیث تقول الآیة: (أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً؟).

 

وضمناً فانّ الآیة یمکن أن تکون إشارة إلى هذه الحقیقة، وهی أن موارد الاستثناء من حکم الغیبة وجوازها (من قبیل التظلم والمشورة وإصلاح ذات البین) هی فی الواقع من قبیل المضطر لتناول المیتة حیث ینبغی به أن یقنع بالحدّ الأقل منها.

ولکن قد یثار هذا السؤال، وهو أننا لا نرى فی جمیع انحاء العالم من یتناول لحم إنسان میت (فکیف إذا کان أخاه)، فانّ شناعة هذا الفعل وقبحه ممّا لا یکاد یخفى على أحد، فی حین أنّ ممارسة الغیبة تعدّ من الاُمور المتعارفة والمنتشرة فی المجالس إلى درجة أنّها تعدّ أحد وسائل الترفیه والفکاهة، فکیف نفسّر هذا الاختلاف بین هذین الحالین؟

الظاهر أنّ هذا الأمر لا دلیل له سوى تفشی الغیبة وکثرة تداولها بین الناس بحیث أدّى إلى التقلیل من قبحها إلى هذه الدرجة.

وتتحرک «الآیة الثانیة» من موقع التهدید الشدید لمن یمارس الغیبة (السخریة والاستهزاء) فی حق الآخرین وتقول بأنّ العذاب العظیم ینتظر هؤلاء الأشخاص الذین یسخرون من المؤمنین ویلمزونهم بألسنتهم أو حرکات أیدیهم أو یغمزونهم بأعینهم من موقع التهمة والخصومة: (وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَة لُمَزَة).

کلمة «لمزة» من مادة لمز على وزن رمز وکلمة «همزة» بنفس الوزن کلیهما من صیغ المبالغة، واختلفوا هل أنّهما بمعنى واحد، أو یختلفان فی المعنى؟ هناک کلام بین المفسّرین، بعض یرى أنّهما بمعنى واحد، وبعض آخر یرى أنّ الهمزة بمعنى الغیبة واللمزة بمعنى التعییر، وذهب ثالث إلى عکس هذا المعنى، ورابع إلى أنّ الهمزة تقال لمن یعیب على الآخرین بالإشارة بینهما اللمزة تقال لمن یقوم بهذا العمل باللسان، وخامس یرى بأنّ الاُولى هی تعییر الشخص بالعلن والثانیة وبالخفاء وبعض یرى أنّ «الهُمزة» تقال لمن یعیب الشخص فی حضوره بینما «اللمزة» تقال لمن یعیب شخصاً فی غیابه.

ویذکر بعض المفسّرین أنّ مقولة «الهمز واللمز» عبارة عن صفتین رذیلتین مرکبتین من حالات الجهل والغضب والتکبّر، لأنّهما تتسببان فی إیذاء الآخرین وجرح عواطفهم وشخصیتهم وکذلک تتضمّنان نوع من حالة التفوّق وطلب العلو، وبما أنّ مثل هذا الإنسان لا یرى فی نفسه فضیلة وصفة حسنة فإنّه یتحرّک لجبران هذا النقص من موقع ذکر عیوب الآخرین ونقائصهم لیحرز بذلک تفوّقه(1).

وقد ذکرت بعض التفاسیر وطبقاً لحدیث شریف أنّ هاتین الصفتین هما من صفات المنافقین(2)، والتعبیر بکلمة (ویل) فی بدایة هذه الآیة والتی وردت فی سبع وعشرین مورداً فی القرآن الکریم هی إشارة إلى اللعن والهلاک وأنواع العذاب لمن یرتکب مثل هذه الأفعال، وما یقال من أنّ هذه الکلمة إشارة إلى بئر أو وادی عمیق فی جهنّم ملتهب بالنیران هو فی الواقع من قبیل تفسیر الکلی بمصداقه.

وهذه الکلمة وکذلک کلمة (ویس) و(ویح) کلّها تأتی لبیان حالة التأسف التی تصیب الإنسان، غایة الأمر أنّ (الویل) تأتی فی الموارد الشدیدة القُبح و(ویس) تأتی فی مقابل حالة التحقیر، و(ویح) تأتی فی مقام الترحّم(3).

ومع الالتفات إلى موارد استعمال کلمات (ویل) فی القرآن الکریم یتّضح جیداً أنّ هذه المفردة تستخدم فی الموارد التی یکون فیها العمل قبیحاً جدّاً، ومنه یتّضح کذلک أنّ الغیبة والتنابز بالألقاب یعتبر فی دائرة المفاهیم القرآنیة من أقبح الأعمال.

«الآیة الثالثة» تتحدث عن الذین یشیعون الفحشاء بین الناس من موقع الذم لهم والتهدید الشدید بالعذاب الألیم لمرتکب هذه الرذیلة وتتضمّن کذلک ذم الغیبة لأنّ إشاعة الفحشاء تتمّ غالباً من خلال الغیبة أو التهمة فتقول: (إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیَا وَالاْخِرَةِ)

وبالطبع فإنّ شأن نزول هذه الآیة إنّما هو فی مورد التهمّة التی نسبهما المنافقون لبعض
زوجات النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، ولکن مسألة إشاعة الفحشاء بین الناس لها مفهوم عام یستوعب موارد کثیرة لا سیما الغیبة.

وفی الحقیقة إنّ الآیة الاُولى من الآیات المذکورة آنفاً تتحدث عن البعد الفردی لحق الناس بالنسبة إلى الغیبة ومن هذه الآیة نستوحی الآفاق السلبیة الاجتماعیة لظاهرة الغیبة، لأنّه فی کل مورد یقوم الناس بارتکاب الخطایا والذنوب فی الخفاء ثم یفتضح أمرهم فإنّ الکثیر من الأشخاص الذین یعیشون ضعف الإیمان واهتزاز القیم الأخلاقیة فی واقعهم سوف یجدون فی أنفسهم میلاً ورغبة لإرتکاب مثل هذه الذنوب.

«الفاحشة» من مادة فحش، وهی فی الأصل تعنی کل فعل خرج عن حدّ الاعتدال وأضحى فاحشاً، وعلیه فإنّ هذه الکلمة تشمل جمیع المنکرات والسلوکیات القبیحة فی دائرة الأخلاق رغم ورود هذه الکلمة فی القرآن الکریم فی عدّة موارد وکذلک فی المصطلح المتداول بین الناس بمعنى الانحراف الجنسی والتلّوث بأنواع المحرّمات للشهوة الجنسیة، ولکن هذا لا یمنع من عمومیة الفاحشة لموارد اُخرى، وفی الحقیقة إنّ استعمالها فی خصوص الانحرافات الجنسیة هو من قبیل استعمال الکلی فی مصداقه البارز، وعلیه فإنّ اشاعة الفحشاء الوارد فی هذه الآیة لا ینحصر بالانحراف الجنسی، بل یرد فی موارد اُخرى تأتی غالباً عن طریق الغیبة.

وفی الآیة 45 من سورة العنکبوت نقرأ عن الصلاة: (إنّ الصّلاةَ تَنهى عنِ الفَحشَاءِ والمُنکَرِ).

ولهذا السبب ورد فی ذیل هذه الآیة حدیثاً شریفاً یقول: «مَنْ قـالَ فِی مُؤمِن مـا رَأَتْهُ عَینـاهُ وَسَمِعَتْهُ اُذُنـاهُ فَهُوَ مِنْ الَّذِینَ قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الفـاحِشَةُ فِی الِّذینَ آمَنُوا لَهُم عَذابٌ أَلَیمٌ»

والجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم یذکر فی الآیة أعلاه أنّ جزاء مثل هؤلاء الأشخاص هو العذاب الألیم فی الدنیا والآخرة، وهذا یوکّد أنّ الغیبة وإشاعة الفحشاء لها آثار مخربّة فی حیاة الإنسان على المستوى الفردی والاجتماعی.

وآخر ما یقال فی تفسیر الآیة محلّ البحث أنّ القرآن الکریم ولغرض التأکید على هذه المسألة المهمّة لم یقل إنّ الذین یشیعون الفحشاء لهم عذاب ألیم فی الدنیا والآخرة بل قال: «(إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیَا وَالاْخِرَةِ)

وفی «الآیة الرابعة» والأخیرة من الآیات محلّ البحث نقرأ إستثناءاً لحرمة الغیبة، وهو ما إذا کانت الغیبة صادرة من مظلوم یرید أن یأخذ بحقّه من الظالم ومن ذلک یتّضح جیداً أنّ الغیبة لا تجوز بدون مبّرر ومسوّغ فتقول الآیة: (لاَ یُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَکَانَ اللهُ سَمِیعاً عَلِیماً).

والمراد بالجهر من القول هو أی نحو من الإظهار اللفظی سواءاً کان بصورة شکوى أو حکایة أو غیبة أو لعن وذم وأمثال ذلک، وعلیه فإنّ من وقع مظلوماً یحقّ له ولغرض الدفاع عن نفسه أن یفضح هؤلاء الظالمین ویذکر أعمالهم العدوانیة للآخرین.

ومن أجل، أن لا یسیء الناس الاستفادة من هذا الاستثناء ویتحرّکون من موقع الغیبة والوقیعة بالآخرین بحجّة أنّهم مظلومون فإنّ الآیة الکریمة تعقّب فی آخرها بقوله تعالى: (وَکَانَ اللهُ سَمِیعاً عَلِیماً)، فهو مطلّع على نیّات الأشخاص وأفکارهم ودوافعهم فی أعمالهم هذه.

وممّا تقدّم من الآیات الکریمة نستوحی قبح وشناعة الغیبة وبالتالی فإنّ عواقبها الدنیویة والاُخرویة ستکون ألیمة للغایة.

 

 


1. روح البیان، ج10، ص58.
2. المصدر السابق.
3. تفسیر الفخر الرازی، ج32، ص91.

 

تنویهالغیبة فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma