الإنسان المنعم قد یتوقع الشکر من الطرف الآخر، أو ربّما یحتاجه فی بعض الأحیان، سواء کان احتیاجاً مادیاً أو معنویاً، أو لأجل موقعه ومرکزه الإجتماعی.
ولکن الباری تعالى، هو الغنی عن العالمین، حتى ولو کفر الناس جمیعاً، فهو لا یحتاج لشکرهم، ومع ذلک فقد أکد على الشکر، فمثله کمثل باقی العبادات، ونتیجته تعود على نفس الإنسان، وإذا ما دققنا النظر قلیلاً فستتوضح فلسفته.
إذا قدّر الشخص النعم الإلهیة سواء کان بالقلب أو اللسان أو بالعمل، فهو یستحق تلک النعمة، والله سبحانه وتعالى هو الحکیم لا یسلب النعمة من أحد من دون دلیل ولا یعطی لأحد من دون دلیل، فعندما یشکر الإنسان النعم فلسان حاله یقول إننی مستحق للنعم، وحکمة الباری لا توجب له النعمة فقط بل تزیده أیضاً.
ولکن لسان حال الکافر یقول: إننّی غیر مستحق للنعمة وحکمة الباری تعالى توجب سلب تلک النعمة منه، وإذا شکر یوماً وکفر یوماً، فسیتعامل معه کالتالی:
(ذَلِکَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ).
وعندما نقول أنّ الشکر سبب فی دوام النعمة فدلیله هذا بعینه، وفی حدیث عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): «بِالشُّکرِ تَدُومُ النِّعَمِ».
وفی حدیث آخر قال: «ثَمَرَةُ الشُّکرِ زِیادَةُ النِّعَمِ».
وعلاوة على ذلک عندما یتم غرس روح الشکر عند الإنسان، فتصل إلى شکر المخلوق، فشکر المخلوق فی مقابل ما یؤدّیه من أعمال جیدة، یکون سبباً مؤثراً فی حرکة المجتمع وتفتح الاستعدادات الخلاّقة وفی أعماق الإنسان وبالتالی فسیتحرک المجتمع لشکر الخالق ومنه یفتح باب معرفته، فتتعمق العلاقة بین الإنسان وربّه، وکما أشرنا سابقاً فإنّ أول مسألة تبحث فی علم الکلام هی معرفة الله عزّ اسمه، وأهمّ دلیل فیها هو مسألة شکر المنعم والتی هی بدورها نابعة من الوجدان أو کما یقال بأنّ: قیاساتها معها.
عملیة الشکر بالإضافة إلى أنّها تعرف الواهب، فإنّها تعرف النعم نفسها أیضاً، فالنعمة کلّما إزداد حجمها وکیفیتها، تستدعی شکراً أکبر وأکثر، ولأداء شکر المنعم تکون معرفة النعمة أمراً ضروریاً، وبالتالی تؤدی إلى توثیق الأواصر بین الخالق وعباده وتشغل نیران الحب له فی القلوب، وکم استتبعت المواهب المادیة، مواهب معنویة أعلى وأسمى!
1. سورة الانفال، الآیة 53.
2. غرر الحکم.
3. غرر الحکم.
