علاج حبّ الجاه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
أسباب ومقاصد حبّ الجاهتنویه

بالنظر للأبحاث التی مرّت بنا فی الوقایة أو معالجة الرذائل الأخلاقیة اتضح لدینا أصل کلّی وهو أن المبتلین بتلک الرذائل الأخلاقیة إذا ما تنبهوا للعواقب السیئة لهذهِ الصفات، فإنّهم فی الأغلب الأعم سیفکرون فی طرق العلاج لها وترکها.

وهذا الأصل یصدق أیضاً فی مورد حب الجاه، فإذا ما انتبه المبتلی بحبّ الجاه الى أنّ هذهِ الرذیلة لا تبعده عن الخالق فحسب بل عن المخلوق ایضاً، فیهرب منه الصدیق ویبتعد عنه الناس، وأنّ هذه الصفة ستجرّه للریاء الذی هو من أخطر الذنوب أو ربّما یصبح «کالسامری» و«قارون» اللذان کفرا وعادا نبی الله(علیه السلام)، وإذا ما علموا أنّ تأثیر حبّ الجاه على الإیمان القلبی للإنسان کمثل الذئب الضاری فی قطیع الغنم، فلا یسلم دین وإیمان للإنسان فی حرکة الحیاة الروحیة ویستبدله بالنفاق الذی ینبت فی قلب المحب للجاه کما ینبت الزرع فی الأرض السهلة، فإذا علم الإنسان بکل هذه المخاطر والآثار المخرّبة لهذه الرذیلة فسوف یجدد النظر فی سلوکیاته وأعماله قطعاً.

وإذا فکر هذا الشخص بعدم ثبات هذهِ الدنیا والتفت إلى قصر العمر وأنّ النعم مواهب مؤقتة وعاریة مستردة أو على حد تعبیر بعض علماء الأخلاق، أنّ کل الناس شرقاً وغرباً لو سجدوا للإنسان لمدّة طویلة فلا یلبث أن یموت الساجد والمسجود له، فمن الأکید أنّه سینتبه من غفلته ویرعوی من سلوکه.

ومن الدروس الاُخرى النافعة فی التخلص من حبّ الجاه والسلطة هو مطالعة أحوال وحیاة فرعون ونمرود وقارون والسامری، ونهایة حیاتهم المؤسفة، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ حب الجاه ناشیء من ضعف الإیمان خصوصاً الإعتقاد بالتوحید الأفعالی، فبتقویة دعائم الإیمان فی أعماق القلب سیزول حب الجاه، فمن یدرک عظمة الله تعالى، یوقن أنّ العالم بأسره لا یساوی شیئاً فی مقابل ذاته المُقدّسة، وأن العزّة والذلة والعظمة والحقارة بید الله تعالى، والأهم من ذلک کلّه أن القلوب بید خالقها، فلا یمکن الاعتماد على اقبال الناس وإدبارهم، فإن إقبالهم وإدبارهم لا ثبات فیه مطلقاً ولا یعتمد علیه، فالبعض یمثّلهُ بالقِدر فیه ماء وصل الى درجة الغَلیان فهو فی حالة تَغیّر مستمر، ومن یتحرّک فی تدبیر اُموره على ذلک الأساس فَمثله مثل الذی یرید البناء على أمواج البحر، والمراهنة على معطیات رضا الناس وحالة الاعتماد علیهم لا ینتج الضرر الاُخروی فقط، بل لا ینسجم حتى مع خط العقل فی سلوکیاتنا الدنیویة أیضاً.

کل ما ورد هی طرق العلاج من الناحیة العلمیة، وأمّا من الناحیة العملیة، فطریقة علاج حب الجاه هو أن یضع الشخص نَفْسَه فی حالة یمیتُ فیها «حب الجاه»، فمثلا یجلس فی المجالس العامة مع الأفراد العادیین ولیس مع الشخصیات المرموقة، وعلى مستوى اللباس، یجب أن یتّخذه من النوع المتوسط وکذلک بیته ومرکبه وطعامه وأمثال ذلک.

ویعتقد بعض اعاظم علماء الأخلاق، أنّ أفضل طریقة لقطع حب الجاه هو العزلة عن الناس، بشرط ان لا تکون العزلة بدورها وسیلة لکسب الجاه عند الناس بطریقة غیر مباشرة.

وقد کان کثیر من المتصوفة ودعاة العرفان، ولأجل کسر حب الجاه فی نفوسهم یتصرفون فی واقع الممارسة بسلوکیات لا یقبلها الشرع، والعجیب أنّهم کانوا یسمّون مثل هذهِ الذنوب الجلیة بالذنوب «الصوریة» القابلة للصفح والتسامح، وینقل المرحوم «الفیض الکاشانی» أنّ أحد الملوک القدماء قرر الذهاب الى زاهد زمانه، وعندما أحسّ ذلک الزاهد قرب وصول الملک أمر بأن یأتوه بالخبز والخضروات، وأخذ یأکل بنهم وحرص ویکبر اللّقمة فی یده، وعندما رأى الملک ذلک المنظر، سقط الزاهد من عینه وعاد إدراجه بدون أن یکلمه بشیء، فقال الزاهد: «الحَمدُ للهِ الّذِی صَرَفَکَ عَنّی».

وینقل عن بعضهم أنّهم کانوا یأخذون بعض الأشربة ویضعونها فی آنیة ملوّنة کی یتصور الناس أنّهم یشربون الخمر وبذلک یسقطون من أعینهم.

وینقل أیضاً عن آخر عرف بالزهد بین الناس وأصبح محطّاً للأنظار، فدخل الحمّام یوماً ولبس ثیاب شخص آخر تعمداً ووقف فی وسط الطریق فعرفه الناس فأخذوه وضربوه واخذوا الثیاب منه وأعادوها لصاحبها، وقالوا هذا رجل کذّاب ومخادع، وابتعدوا عنه!!

 

بلا شک أن هذهِ الأعمال وما شابهها قد تکون من الموارد المحرمةً قطعاً وفی اُخرى من المکروهات، ولم یبیح الشارع المقدس أبداً أن یضع الإنسان المسلم نفسه فی هذهِ المواضع حتى یلوّث سمعته ویسقط من أعین الناس، وکما أنّ سوء الظن بالناس محرم فی الاسلام، فکذلک توفیر عوامل سوء الظن هو بدوره من المحرمات.

وعلیه یجب أن تکون الطرق فی تهذیب الأخلاق مشروعة ومطابقة للموازین الإسلامیة والعقلیة، ومع وجود الطرق الشرعیة لا داعی لسلوک السبل غیر المشروعة.

والعجیب فی الأمر أن المرحوم «الفیض الکاشانی» عندما ذکر تلک الاُمور عقّب قائلا: إنّ وضع الشراب المحلل فی آنیة توهم الناظر بالشرب للمحرم هو محل تأمل من الناحیة الفقهیة ولکن أهل الحب والهوى یمکن أن یعالجوا أنفسهم باُمور لا یفتی بها الفقیه أبداً، ویعتبرونها من طرق إصلاح القلب، فبعد ارتکابهم لتلک الذنوب «الصوریة» کانوا یجبرونها بالأعمال الخیریّة، وبعدها یذکر قصة سارق الحمّام(1).

لو کان هذا الکلام من بعض المتصوفة لما کان محلا للتعجب، ولکن یصدر من فقیه معتبر کالفیض الکاشانی، فهو غیر متوقع منه، فالتسلط على أموال الآخرین ولبس ثیاب شخص آخر فی الحمام هو من الذنوب القطعیة، وهو لیس بالذنب الصوری، وارتکاب الذنب لا یناسب أهل الحب والهوى ولا یُصلح القلب، علاوة على ذلک فمع وجود الطرق المشروعة فما الداعی للتوسل بتلک الطرق الملتویة؟

والأقرب للحق أنّ هذا العالم الکبیر تأثر بکلمات الغزالی فی کتابه «احیاء العلوم» فالغزالی لدیه کثیر من هذهِ الشطحات فی دائرة السلوک والممارسة الصوفیة، ولعل قصد المرحوم الفیض الکاشانی هو نقل الکلام عن الغزالی ولیس تأییداً لمثل تلک السلوکیات.

وهناک فرقة «الملامتیة»(2) وهی من الفرق الصوفیة المعروفة، حیث انتخبوا تلک الطریقة لتخریب سمعتهم وتشویه شخصیتهم أمام الغیر، ومن المؤکد أنّ الإسلام لا یقرّ مثل هذهِ الأعمال البعیدة عن المنطق والعقل والشرع، ویرید من الإنسان الوصول للحق عن طریقه المشروع لا غیر.

إنّ المرحوم الفیض الکاشانی لم یقرّ أعمال وطرق الملامتیة، الذین کانوا یرتکبون الکبائر لکی یسقطوا فی أعین الناس، بل حرّمها فی أماکن اُخرى من کتابه.

 

 


1. المحجة البیضاء، ج 6، ص 130.
2. الملامتیة، هم طائفة من المتصوفة ظهروا فی القرن الثالث الهجری وما بعده فی خراسان، فکانت عقیدتهم أنّ سوء الظن بالنفس هو من اولى الخُطى للوصول إلى حسن الظن بالله تعالى واصل المعرفة، فکانوا یخالفون الصوفیة فی سلوکهم، وکانوا من حیث المأکل والملبس لا یختلفون عن الناس فی الظاهر وکان سعیهم هو عدم اظهار الخیر وعدم اخفاء الشر، حتى لا یقعون بالریاء وحب الجاه بعقیدتهم، فکانوا لا یتورعون عن اظهار قبائح ومعایب النفس أمام الملأ، حتى یصبحوا عرضةً للملامة من قبل الناس فیرتدعوا عن الغرور (وکانوا یفعلون الافعال التی یستنکرها کل إنسان) ومن یرید التفصیل فلیراجع کتاب (جلوه حق) ص 63 و 64.

 

أسباب ومقاصد حبّ الجاهتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma