إنّ فلسفة تحریم الربا لیست شیئاً خافیاً على أحد، وإذا لم تُعرف تفاصیلها فإنّ من المحتم هو معرفة هذه الفلسفة إجمالا، فالربا یسبب استغلال الطبقات الکادحة والمستضعفة، وتحول المجتمع إلى قطبین، وتغیب فی ظله الأخلاق ویمنع بواسطته العمل الصالح، ویأخذ الظلم والجور بالاتساع وتزداد البطالة والکسل وأمثال هذه الظواهر.
و إضافة إلى أنّ هذه المفاسد واضحة للعیان، فانّ القرآن المجید والأحادیث الشریفة قد أشارت کذلک إلیها.
ولو قام جمیع المرابین فی الدنیا بادخال علبة الکبریت أو کمیة الحلوى فی معاملاتهم، فهل ستزول آثار هذه الأعمال الرهیبة؟
و هل ستحل المشکلات بمجرّد تبدیل التسمیات من الربا إلى البیع المشروط أو المعاملة أو بیع وشراء الأوراق النقدیة؟ ما هذا التصوّر الساذج؟
نحن نرى من جانب أنّ الشارع المقدس قد اعتبر الربا بمثابة محاربة الله (أو خلقه) وإنّ درهماً واحداً من ربا یعادل ارتکاب الزنا مرات عدیدة، فهل
إنهاء هذه الحرب یتحقق بعلبة کبریت، أو أنّ کمیة من الحلوى تعادل زواجاً بالحلال؟
و بذلک تخفت شعلة الغضب وتقلّ شدّة التأکید على هذه المسألة وبهذه البساطة؟ فإذا کان الأمر کذلک فلا حاجة لهذا الغضب والثورة.
و لهذا السبب نجد أنّ الفئات المتحررة والداعیة للحق لا تستسلم أبداً لمثل هذه الحیل الشرعیة، ومهما کانت الأدلة التی یؤتى بها من أجل إقناع هؤلاء فانّهم لا یقتنعون ویقولون إنّ هذا العمل لیس إلاّ ربا وباقی الأفعال هی بمثابة تصاویر وتمثیلیات لا قیمة لها ولا اعتبار!
و هذا الضمیر العام یعتبر عقلا وعرفاً دلیلا واضحاً على أنّ العناوین لا یمکنها أن تکون جدیّة وهی مشمولة ضمن عمومات الأحکام والآیات القرآنیة فی مجال المعاملات.
و هذا الضمیر العام شاهد حی على عدم استناد هذه التعبیرات المنحرفة إلى شیء، وعدم حصول تغییر فی ماهیة المسألة من ناحیة القواعد والضوابط الفقهیة.
و أخیراً فانّ هذا الضمیر یدلّ على أنّ طرق الفرار من الربا لیست فی الواقع سوى حیل وخداع للنفس ولیس للمسائل الشرعیة لأنّها لا تنطلی علیها!
