استناداً لما ذکرنا من أهمیّة العمل فقد یتبادر إلى أذهان الکثیرین هذا السؤال: لماذا لا یبدر زعماء الدین فی یومنا هذا إلى الأعمال الإنتاجیة کالزراعة وأمثال ذلک حتى یکونوا قدوة للآخرین؟

و جواباً على هذا السؤال نقول إنّ هناک نقطة ینبغی الانتباه إلیها هی أنّ الاحترام الذی یبدیه الإسلام للعمل الیدوی لا یفهم منه عدم الاهتمام بالأعمال الفکریة البنّاءة کالتعلیم والتربیة وقیادة الأمّة وتوجیهها، وعدم إعطاء هذه المهام قیمتها المناسبة، لیستغل الجهّال ذلک لاتهام العلماء وأساتذة الجامعة والکتّاب الکبار وکبار مفکری الأمّة بعدم قیامهم بأی إنجاز بنّاء، بل بالعکس، فإنّ الهدف الأساسی من الاحترام للاحترام الفائق للعامل هو الحیلولة دون إغفال دور العامل فی تطور المجتمع الحی والتقلیل من مکانته، وإلاّ فإنّ لزعماء المجتمع ومربی الأمّة دوراً کبیراً جدّاً فی تقدم المجتمع مادیاً أیضاً بغض النظر عن القیم الإنسانیة، لأنّ هؤلاء ینهضون برسالتهم فی إرساء قواعد المجتمع الصالح من خلال دعوة أیتائه للوحدة والتضامن والتعاون بوضعهم الحجر الأساس لمجتمع صالح، ودعوتهم للتضامن والعمل الصالح والتعاون وغیر ذلک یساهمون فی تقویة وتحکیم خطى المجتمع فی سیره نحو الأهداف السامیة، ولا یمکن نکران التأثیر غیر المباشر لهؤلاء (کالتأثیر غیر المباشر لعمل طبیب حاذق وحریص) فی زیادة عائد العمال الاقتصادی.

فمن الواضح تماماً أنّ العامل الذی یمرض لا یکون فاقداً للعائد الاقتصادی فقط وإنّما یتحول إلى إنسان مستهلک، ولکنّه یستعید سلامته على أثر الجهد الذی یبذله الطبیب، ویتمکن مرّة أخرى من العمل والإنتاج، فهل نقول لهذا الطبیب أو الطالب الذی یدرس الطب إنّک لا تنجز عملا بنّاء وینبغی أن تأتی وتعمل فی الأراضی الزراعیة، وکذلک العالم الذی یدعو الناس إلى الوحدة والعمل الصالح والتعاون والجد فی الإنتاج ومکافحة الکسل والبطالة، فإنّه بذلک یضاعف إنتاج المجتمع مرّات عدیدة.