من کانت بطالته وقلّة عمله، أو عدم إتقانه للعمل سبباً فی تبعیة المجتمع الذی یعیش فیه إلى الآخرین من الناحیة الاقتصادیة، فانّه ملعون بنظر الإسلام ومطرود من رحمة الله تعالى.

إنّ الثورة السیاسیة لا تصل إلى تکاملها ما لم تستند على قاعدة اقتصادیة غنیة ومکتفیة ذاتیاً إضافة إلى نهضة ثقافیة عمیقة.

کان الحدیث یدور حول الأولویة التی تحظى بها المسائل الاقتصادیة فی الإسلام، ومن أجل إکمال هذا البحث نتطرق إلى دراسة نظریة الإسلام فی أهمیّة العمل.

یمکن خلاصة جمیع برامج الإسلام بالجهاد:

الجهاد ضد الطاغوت.

الجهاد ضد الجهل.

الجهاد ضد الفقر.

الجهاد ضد النزوات والأهواء الجامحة!

على العکس تماماً ممّا یقوله بعض قصار النظر أو المغرضین، فالجهاد إضافة إلى عدم کونه نقطة ضعف بالنسبة للتعالیم الإسلامیة، فانّه بلا شک کان وما یزال أعمق هذه التعالیم وأکثرها حیویة. فهو قانون ینسجم مع نظام الحیاة والخلقة، وروح الحریة والعدالة الإنسانیة، وهو قانون تفقد الحیاة معناها بدونه، وتتحول إلى حالة من حالات الموت.

أمّا النقطة الجدیرة بالذکر هنا هی أنّ أی عمل مثمر کیفما کان بمثابة شعبة من الجهاد فی سبیل الله، وقد عرف العامل فی الإسلام بأنّه مجاهد فی سبیل الله، بل انّه وصف أکثر من ذلک أحیاناً.

فقد روی عن الإمام الرضا(علیه السلام) أنّه قال:

«الذی یطلب من فضل الله ما یکف به عیاله أعظم أجراً من المجاهد فی سبیل الله».(1)

إنّ إدراک السبب الذی یدعو إلى جعل هذه المنزلة الرفیعة للعامل لیس أمراً صعباً لما یلی:

1- إنّ المجاهدین یقومون بدور الحفاظ على المجتمع أحیاناً، بینما نجد أنّ العمال الصالحین یعملون دوماً من أجل تحسین أوضاع المجتمع الحالیة وتطویرها فی المسقبل.

2- إنّ أی نظام سیاسی لا یکتب له الدوام والاستمرار ما لم یکن متکئاً على اقتصاد قوی ومزدهر، أی لاطائل من جهود الجنود دون عرق العمال.

و لأجل توضیح الاحترام والتعظیم الذی أولاه الإسلام للعامل، فلنا فی قصة سعد الأنصاری العامل المکافح المسلم کفایة، حیث تذکر الروایات أنّ أسعداً کان فی استقبال النبی(صلى الله علیه وآله) عندما کان عائداً من غزوة تبوک وصافح سعد النبی بیده الخشنة الملیئة بالخدوش فسأله النبی عن السبب فی ذلک فقال: إنّی أعمل واستعمل المسحاة والحبل لأعیل عیالی، فقام النبی(صلى الله علیه وآله)بعمل مدهش لم یصدر من أی من العظماء فی هذا العالم: وکان نصّ الحدیث کالتالی: فقبّل یده رسول الله وقال: هذه یدٌّ لا تمسّها النار!(2)

نعم، لقد کان هذا العمل من العظمة والأهمیّة بحیث لا یمکن بیان ذلک إلاّ به، ومن أجل التعرف أکثر على أهمیّة العمل فی الدین الحنیف، نرى من اللازم التوجه إلى أنّ العمل البنّاء والایجابی لا یعتبر من أهم العبادات فی الإسلام فحسب وإنّما الآثار الجانبیة التی تنشأ عن ذلک عبادة أیضاً، کما جاء فی مضمون أحد الأحادیث الشریفة «إنّ العامل الذی یأتی إلى البیت وهو تعبان ویخلد إلى النوم وهو بأشد حالات الاجهاد بمثابة الشخص الذی یقیم اللیل فی العبادة».

کما ورد فی الإسلام التأکید بالتبکیر فی إنجاز الأعمال.

و قد أوصى الإمام الصادق(علیه السلام) أتباعه بما یلی:

«إذا أراد أحدکم حاجة فلیبکر إلیها ولیسرع المشی إلیها».(3)

1. وسائل الشیعة، ج 12، ص 43.

2. أسد الغابة، ج 2، ص 469.
3. وسائل الشیعة، ج 12، ص 5.