على الرغم من الاعتقاد السائد لدنیا بأنّ الاستعمار الثقافی هو أخطر أنواع الاستعمار، إلاّ أنّ المستعمرین الیوم یرون أرجحیة الاعتماد على الاستعمار الاقتصادی أکثر من أی شیء آخر، وقد یکون السبب فی ذلک یعود إلى الأثر السریع والمباشر لهذا الاستعمار وکونه مقدمة لتمهید السبیل أمام الاستعمار الفکری والسیاسی.

و على کل حال فإنّ کل من المعسکرین الرأسمالی والاشتراکی یسعیان لجعل الأمم المستضعفة «عبیداً» لهم من الناحیة الاقتصادیة وتحکیم تبعیتهم لهم اقتصادیاً.

و المهم حالیاً أن نکون یقظین کی لا نخدع بالمصائد البراقة التی تختفی تحت عقائد وشعارات ولافتات مختلفة، فنخلّص أنفسنا من مخالب سیاسة اقتصادیة الاستعمار.

إنّ أفضل الخطوط الاقتصادیة لنا ولجمیع الأمم المتحررة فی العالم التی ترنو نحو مستقبل تعیش فیه بحریة واستقلال ولا ترزح تحت نیر أیة قوّة عظمى، هی السیاسة اللاشرقیة واللاغربیة، وهی السیاسة التی تدعونا لنبذ کافة أنواع التبعیة، وتدفع بنا إلى الاکتفاء الذاتی فی جمیع المجالات، وبالتالی فهی السیاسة التی تثبت وجودنا وتنفی عنّا سلطة الأجنبی.

نحن نعتبر أنّ الاقتصاد الإسلامی هو أفضل الطرق المؤدیة لهذه السیاسة، هذا الاقتصاد الذی تبدو فیه الخصوصیات المضادة للاستعمار واضحة، ویخلو من أی نوع من أنواع التبعیة للنظم الاقتصادیة الغربیة أو الشرقیة.

و ستقف - عزیزی القارئى - على المحاور الرئیسیة لهذا الاقتصاد فی هذا الکتاب - الذی بین یدیک - راجیاً مطالعته دون إصدار الأحکام المسبقة.

قم - الحوزة العلمیة

26/8/1981 م

ناصر مکارم الشیرازی