وهو ما رواه محمّد بن علی بن الحسین قال: قال الصادق(علیه السلام): «کلّ شیء مطلق حتّى یرد فیه نهی»(1).
والحدیث مرسل، لکنّه من المرسلات التی یسندها الصدوق(رحمه الله) إلى المعصوم(علیه السلام) بتعبیره «قال» لا «روى»، وظاهره کون الصدور أمراً مقطوعاً عنده.
ولکن هذا لیس کافیاً فی إثبات الحجّیة عندنا، لأنّه استنباط لشخص الصدوق(رحمه الله) فلعلّه لو ذکر رجال السند لناقشنا فی وثاقة بعضهم.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بحصول الوثوق من توثیقه، ولکنّه مشکل، وحینئذ لا یخلو السند عن شیء.
وأمّا الدلالة فقال الشیخ الأعظم الأنصاری(رحمه الله) أنّه أظهر من الکلّ فی الدلالة على البراءة.
وإستشکل فیها المحقّق الخراسانی(رحمه الله) بأنّ دلالته تتوقّف على عدم صدق الورود إلاّ بعد العلم والوصول مع أنّه یصدق على الصدور المقابل للسکوت أیضاً، فمعنى الحدیث حینئذ: أنّ ما لم یصدر فیه نهی واقعاً (بمعنى سکوت الله تعالى عنه) فهو حلال، ولا کلفة على العباد من جهته، فی مقابل ما إذا صدر النهی عنه واقعاً فلیس حلالا وإن لم یعلم به المکلّف، فوزان هذا الحدیث حینئذ وزان حدیث السکوت.
إن قلت: نعم یصدق الورود على صدور النهی عن الشارع وإن اختفى علینا لبعض الأسباب والدواعی، ولکن الأصل عدم صدوره، فإنّه مسبوق بالعدم فیستصحب عدمه فیتمّ الاستدلال بضمیمة هذا الأصل.
قلنا: إنّ الاستدلال حینئذ وإن کان یتمّ بضمیمة الأصل المزبور، ویحکم بإباحة ما شکّ فی حرمته، لکن لا بعنوان أنّه مشکوک الحرمة ومحتمل النهی بل بعنوان إنّه ما لم یرد فیه نهی.
إن قلت: إنّ عنوان «ما لم یرد فیه نهی» الثابت بالاستصحاب وإن کان مغایراً لعنوان مجهول الحرمة لکن لا تفاوت بینها فی الغرض وهو إثبات إباحة مجهول الحرمة کشرب التتن، فهذا الفعل مباح ظاهراً سواء کان بعنوان عدم ورود النهی عنه واقعاً ولو تعبّداً (کما هو مقتضى استصحاب عدم ورود النهی عنه) أو بعنوان کونه مجهول الحکم.
قلنا: إنّ الثمرة بین الصورتین تظهر فی توارد الحالتین لأنّه لو کان الحکم بإباحة مجهول الحرمة بعنوان إنّه ممّا لم یرد فیه نهی لأختصّ ذلک بما إذا لم یعلم ورود النهی فیه فی زمان، وبورود الإباحة فیه فی زمان آخر، واشتبه السابق باللاحق فلا یکاد یتمّ الاستدلال حینئذ، إذ لا مجال للإستصحاب حینئذ، وهذا بخلاف ما إذا کان الحکم بإباحته بعنوان إنّه مجهول الحرمة، فیجری الأصل حینئذ حتّى فی مثل الفرض لأنّه مجهول الحرمة ولو مع العلم الإجمالی المذکور، فیحکم بحلّیته ظاهراً إلى أن یعلم الخلاف، (انتهى ما ذکره المحقّق الخراسانی(رحمه الله)بتوضیح منّا).
أقول: یرد على هذا الجواب أوّلا: أنّه ممّا یهمّ الفقیه فی الفقه إذ لا یوجد له مورد فی الفقه ورد فیه أمر ونهی، وإشتبه تاریخهما.
ثانیاً: ولو سلم فإنّه من قبیل النسخ الذی یتوفّر الدواعی على نقله فلا یصیر من قبیل مجهولی التاریخ.
فالحاصل أنّ الحدیث صالح للإستدلال به ولو بضمیمة الاستصحاب، فإنّ المقصود إثبات جواز إرتکاب مشکوک الحرمة بأی دلیل کان فإنّه الذی یفید الفقیه فی أبواب الفقه.
والعجب من صاحب الوسائل حیث إستشکل بعد نقل الحدیث فی دلالته على المراد بثمانیة اُمور لا یرد أحد منها:
منها: الحمل على التقیّة، فإنّ العامّة یقولون بحجّیة الأصل فیضعف عن مقاومة أدلّة الأخباریین.
وجوابه واضح، فإنّه لا تصل النوبة إلى أعمال هذا المرجّح لأن الترجیح بموافقة الکتاب أولى وأقدم.
ومنها: حمله على الشبهات الوجوبیّة التی یکون الأصل فیها الإباحة حتّى عند الأخباری.
وفیه: أنّ صریح الروایة الشبهة التحریمیّة فکیف تحمل على الوجوبیّة؟
ومنها: حمله على الشبهات الموضوعیّة التی یکون الأصل فیها الإباحة أیضاً حتّى عند الأخباری.
وجوابه أیضاً ظاهر، لأنّ صریح الروایة هو الشبهة الحکمیّة.
إلى غیر ذلک ممّا ذکره فی المقام فراجع(2).
هذا کلّه فی الاستدلال بالنسبة للبراءة فی الشبهات التحریمیّة الحکمیّة.