أحدهما: ما مرّ من المحقّق النائینی (رحمه الله) من أنّ الصّلاة من مقولة الوضع وأنّ الغصب من مقولة الأین، فلا اتّحاد بینهما فلا تکون الصّلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک الکبرى مطلقاً، وقد مرّت المناقشة فیه أیضاً.
ثانیهما: ما أفاده فی المحاضرات من أنّ الصّلاة لیست حقیقة مستقلّة ومقولة برأسها فی قبال بقیّة المقولات بل هی مرکّبة من مقولات عدیدة: منها الکیف المسموع کالقراءة والأذکار، ومنها الکیف النفسانی کالقصد والنیّة، ومنها الوضع کهیئة الراکع والساجد والقائم والقاعد، فإذن لیست للصّلاة وحدة حقیقیة بل وحدتها بالاعتبار، وأمّا الغصب فهو ممکن الانطباق على المقولات المتعدّدة، ومن المعلوم أنّه لا یمکن أن یکون من الماهیات الحقیقیة لما عرفت من استحالة اتّحاد المقولتین واندراجها تحت حقیقة واحدة ... إلى أن قال: ونتیجة ما ذکرناه هی أنّ الصّلاة لا تتّحد مع الغصب خارجاً لا من ناحیة النیّة ولا من ناحیة التکبیرة والقراءة وما شاکلهما ولا من ناحیة الرکوع والسجود والقیام والقعود ... إلى أن قال ما حاصله: وأمّا الهویّ إلى الرکوع والسجود أو النهوض عنهما إلى القیام والجلوس فهما من مقدّمات الصّلاة لا من أجزائها، بقی فی المقام شیء وهو الاعتماد على أرض الغیر، فالظاهر عدم صدق السجدة الواجبة على مجرّد مماسّة الجبهة الأرض بل یعتبر فی صدقها الاعتماد علیها، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على أرض الغیر نحو تصرّف فیها، فلا یجوز، وعلیه فتتّحد الصّلاة المأمور بها مع الغصب المنهی عنه فی الخارج، فإذن لا مناصّ من القول بالامتناع (انتهى ملخّصاً)(1).
أقول: یرد علیه: أوّلا: أنّ النیّة لیست من الکیف النفسانی بل هی من أفعال النفس لأنّها لیست مجرّد شوق نفسانی الذی یعبّر عنه بصیغة فعل الماضی «نَوى».
ثانیاً: أنّ الأذکار والقراءات أیضاً تکون من قبیل الفعل والإیجاد لا الکیف المسموع، فهی حینئذ إمّا من مقولة الفعل لکونها حرکة تدریجیة، وإمّا لیست داخلة فی مقولة من المقولات بناءً على عدم کون الحرکة من المقولات من باب أنّ الحرکة من خصوصّیات الوجود ولیست من شؤون الماهیة، وبالجملة أنّها لیست من مقولة الکیف المسموع، نعم إنّ الحالة الصوتیّة کالجهر والاخفات التی تعرض القراءة تکون من قبیل الکیف المسموع کما لا یخفى.
ثالثاً: الحقّ أنّ الهویّ جزء للرکوع أو السجود لا من مقدّماتهما، فکأنّه لاحظ طائفة من الرّوایات الدالّة على أنّ الصّلاة ثلثها الرکوع أو ثلثها السجود فإستظهر أنّ الرکوع هو مجرّد الانحناء أو أنّ السجود هو مجرّد الانخفاض مع أنّ من جملة الأدلّة قوله تعالى: (ارْکَعُوا مَعَ الرَّاکِعِینَ) مثلا ولا ریب فی أنّ ظاهرها أنّ الرکوع هو الانحناء بضمیمة الهویّ وهکذا فی باب السجود، ولذلک یجب على من سمع حین السجود آیة السجدة الواجبة رفع الرأس عنها ثمّ وضعه بنیّة امتثال آیة السجدة، ولا یکفی مجرّد إبقائه على السجدة کما مرّ سابقاً، وکذلک یجب على المکلّف فی حال الانحناء إذا وجب علیه الرکوع النهوض عنه ثمّ الانحناء بنیّة الرکوع.
أضف إلى ذلک أنّه لو سلّمنا کون الهویّ من المقدّمات لا الأجزاء لکنّه من المقدّمات القریبة التی یسری القبح أو الحسن منها إلى ذی المقدّمة فتکون فی حکم الأجزاء فی ما نحن فیه کما مرّت الإشارة إلیه سابقاً.
هذا کلّه فی البحث عن صغریات المسألة، ولا إشکال فی أنّها لیست منحصرة فی مثال الصّلاة فی الدار المغصوبة بل هناک موارد کثیرة فی الفقه هی من مصادیق هذه المسألة وصغریاتها کالوقوف فی عرفات أو منى تحت خیمة مغصوبة أو فوق حجر مغصوب ونظیر الطواف مع دابة مغصوبة أو ثوب مغصوب، وکالصّلاة مع ثوب مغصوب أو السجدة على التراب المغصوب وغیر ذلک من الأمثلة التی محلّ البحث عنها هو الفقه، والتکلّم عنها فی الاُصول یستلزم تداخل الفقه فی الاُصول، فلا یغرنّک حصر المثال فی کلماتهم فی خصوص الصّلاة فی الدار المغصوبة.
1. راجع المحاضرات: ج4، ص281 ـ 288.
