ما أفاده بعض الأعلام من أنّه «قد یتوهّم أنّ هنا قسماً آخر من الواجب لا یکون نفسیاً ولا غیریّاً، وذلک کالمقدّمات المفوتة مثل غسل الجنب لیلا لصوم غد، ورکوب الدابّة ونحوه للإتیان بالحجّ فی وقته بناءً على استحالة الواجب التعلیقی.
أمّا أنّه لیس بواجب غیری فلأنّ الواجب الغیری على مسلک المشهور ما کان وجوبه معلولا لوجوب واجب نفسی ومترشّح منه، فلا یعقل وجوبه قبل إیجابه، وأمّا أنّه لیس بواجب نفسی فلأنّ الواجب النفسی ما یستوجب ترکه العقاب، والمفروض أنّ ترک هذا الواجب لا یستوجب العقاب علیه وإنّما یستحقّ العقاب على ترک ذی المقدّمة»(1).
أقول: الحقّ ـ کما أفاد هذا العلم فی دفع هذا التوهّم ـ عدم وجود قسم ثالث للواجب لأنّه یمکن أن تکون الموارد المزبورة من مصادیق الواجب الغیری لما مرّ من أنّ وجوب المقدّمة لا ینشأ ولا یترشّح من وجوب ذی المقدّمة کترشّح المعلول من علّته حتّى لا یعقل وجوبها قبل إیجابه، بل العلّة لوجوبها إنّما هی إرادة المولى، وأمّا وجوب ذی المقدّمة فهو مجرّد داع لارادته، ومن المعلوم أنّ الداعی للإرادة کما یمکن أن یکون أمراً حالیاً کذلک یمکن أن یکون أمراً استقبالیاً، هذا ـ وقد مرّ أنّ هذا هو أحد طرق حلّ الإشکال فی المسألة، وقد ذکرنا هناک طرقاً اُخر لحلّها، منها کون وجوب المقدّمة قبل إیجاب ذیها من باب وجوب حفظ غرض المولى وقد مرّ تفصیلها فی البحث عن الواجب المعلّق فراجع.