وقد ذهب المحقّق الخراسانی إلى التفصیل بین ما إذا کانت أسامی المعاملات موضوعة للمسبّبات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة، أو للأعمّ وما إذا کانت موضوعة للأسباب فیکون للنزاع فیه مجال، وحاصل کلامه: أنّه إذا کانت الأسامی موضوعة للمسبّبات فلا إشکال فی أنّها حینئذ اُمور بسیطة لا تتّصف بالصحّة والفساد بل أمرها دائر بین الوجود والعدم، فجریان نزاع الصحیحی والأعمّی فی ألفاظ المعاملات متوقّف على کونها موضوعة للأسباب، ثمّ ذهب إلى أنّه لا یبعد دعوى کونها موضوعة للصحیحة أیضاً وأنّ الموضوع هو العقد المؤثّر لأثر کذا شرعاً وعرفاً، واختلاف الشرع والعرف فیما یعتبر فی تأثیر العقد لا یوجب الاختلاف فی المعنى.
وبعده أتعب المحقّق العراقی(رحمه الله) نفسه الزکیّة حیث أراد إثبات جریان النزاع ولو قلنا بوضع الألفاظ للمسبّبات فإنّه قال: یمکن تصویر جریان النزاع فی المسبّبات على ثلاثة أنحاء:
الأوّل: أن یکون المسبّب أمراً واحداً وله مفهوم واحد والمصادیق واحدة، ولا یکون نزاع بین العرف والشرع فیه، وأمّا ردع الشارع فی بعض الموارد فإنّه من باب تخطئة العرف فی المصداق لا من باب الاختلاف فی المفهوم.
الثانی: أن نقول إنّ للمسبّب مفهومین وبالنتیجة له مصداقان، فقبل الشارع أحدهما وردّ الآخر فقال مثلا: بأنّ المعاطاة عندی لیست بیعاً.
الثالث: أن نقول أنّ للمسبّب مفهوماً واحداً وله مصادیق کثیرة ولکن ردع الشارع بعض المصادیق لیس من باب التخطئة فی المصداق بل من باب الإستثناء فی الحکم، فیقول مثلا: إنّ المعاملة الربویة وإن کانت من مصادیق البیع لکنّها حرام حکماً.
ثمّ قال: فإن قلنا بالأوّل فلا یتصوّر فیه النزاع بین الصحیحی والأعمّی لدوران أمره بین الوجود والعدم دائماً، وأمّا إذا قلنا بالثانی فیمکن تصویر النزاع فی أنّ الألفاظ وضعت لخصوص المفهوم المقبول للشارع أو وضعت للأعمّ منه، وکذلک إن قلنا بالثالث فیمکن تصویر النزاع فیه بأنّ الألفاظ وضعت لخصوص المصداق الذی لم یستثن الشارع حکمه، أو وضعت للأعمّ منه ومن المستثنى فی الحکم(1) (انتهى).
أقول: یرد علیه أنّ المفروض فی باب المعاملات عدم وجود الحقیقة الشرعیّة بینما الصورة الثانیّة والثالثة فی کلامه تستلزمانها کما لا یخفى، لأنّه یبحث فیهما فی أنّ الألفاظ فی لسان الشرع وضعت لأی مصداق؟
ثمّ إنّ هیهنا کلاماً آخر للمحاضرات ذهب فیه أیضاً بجریان النزاع حتّى بناءً على وضع الألفاظ للمسبّبات، واستدلّ له بأنّ المسبّب فی باب المعاملات اعتبار قائم بنفس المعتبر، فإنّ البیع مثلا ملکیّة یعتبرها البائع فی نفسه وهو ممّا یتصوّر فیه الصحّة والفساد لأنّه إن أمضاه العقلاء والشرع کان صحیحاً وإلاّ ففاسد(2).
أقول: إنّ المسبّب فی المعاملات لیس الاعتبار القائم بالنفس فإنّه لیس أمراً شخصیّاً فحسب بل إنّه نفس الاعتبار العقلائی الدائر بینهم کما لا یخفى، ویکون اعتبارها بید العقلاء، وأهل العرف، فإذا صدرت صیغة عقد مثلا من بایع واعتبر العقلاء الملکیّة فی موردها تتحقّق الملکیّة، وإن لم یعتبروها فلا تتحقّق فیکون أمرها حینئذ دائراً مدار الوجود والعدم عندهم وفی اعتبارهم فلا تتّصف بالصحّة والفساد.
فظهر إلى هنا أنّ تفصیل المحقّق الخراسانی(رحمه الله) متین لا غبار علیه، نعم أنّه مربوط بمقام الثبوت.
وأمّا مقام الإثبات ومن ناحیة الموضوع فهل المراد من أسامی المعاملات الأسباب أو المسبّبات؟
یمکن أن یقال إنّه إذا استعملت الألفاظ فی المعنى المصدری فلا إشکال فی أنّ المراد منها الأسباب فإنّها التی تعلّق بها الإیجاد أوّلا وبالذات، وأمّا إذا استعملت فی المعنى اسم المصدری فیکون المراد منها المسبّبات، لأنّ المسبّبات هی النتائج الحاصلة من الأسباب وتناسب المعنى اسم المصدری، فلابدّ حینئذ من ملاحظة کیفیة الاستعمال، فتختلف أسامی المعاملات بحسب اختلاف کیفیة استعمالاتها فی لسان الشارع، فالتی استعملت فی الأسباب داخلة فی محلّ النزاع، والتی استعملت فی المسبّبات خارجة عنه، اللهمّ إلاّ أن یقال أنّها ظاهرة فی المسبّبات دائماً لترتّب الآثار علیها بلا واسطة، وفی موارد استعمالها بالمعنى المصدری یکون النظر إلى إیجادها من طریق التوسّل بالأسباب کما فی قولک «أحرقته» فإنّه بمعنى نفس الإحراق ولو بالتوسّل بأسبابه لا نفس الأسباب والفرق بینهما واضح.