وقد أطلقت الرّوایات لفظة الصّلاة على الفاسد منها من دون نصب قرینة على نحو قوله(علیه السلام): «دع الصّلاة أیّام اقرائک» فإنّ المراد من الصّلاة فیه هو الصّلاة الفاسدة قطعاً، لعدم کون إتیان الصّلاة الصحیحة مقدوراً لها، فیلزم عدم صحّة النهی عنها بناءً على الصحیح، ونحو قوله (علیه السلام) «بنی الإسلام على خمس الصّلاة والزّکاة والحجّ والصّوم والولایة ولم ینادِ أحد بشیء کما نودی بالولایة فأخذ الناس بالأربع وترکوا هذه فلو أنّ أحداً صام نهاره وقام لیله ومات بغیر ولایة لم یقبل له صوم ولا صلاة» فإنّه بناءً على بطلان صلاة تارکی الولایة لا یمکن أخذ الناس بالأربع إلاّ إذا کانت هذه الأسامی للأعمّ لأنّهم أخذوا بالصّلاة الفاسدة وکذا غیرها.
واُجیب عنه بوجوه:
الوجه الأوّل: أنّه یمکن أن یقال (بالنسبة إلى حدیث الولایة) أنّ الولایة إنّما تکون شرطاً للقبول لا للصحّة کما تشهد علیه الرّوایات الواردة فی أبواب مقدّمات العبادات(1) فقد ورد بعضها «أنّ عملهم لا یقبل» وفی بعضها الآخر «لا عمل له» وفی ثالث «أکبّه الله على منخریه فی النار» فبملاحظة هذه الأخبار یمکن أن یقال: إنّ العمل صحیح وغیر مقبول، وأمّا العقاب فهو یترتّب على عدم قبولهم للولایة لا على عدم صحّة الصّلاة خصوصاً إذا لاحظنا روایة فی باب الزّکاة بالنسبة إلى من استبصر بالولایة حیث إنّ الإمام (علیه السلام) استثنى فیها من الأعمال خصوص الزّکاة فحکم بوجوب قضائها لأنّها وقعت فی غیر محلّها، ولا إشکال فی أنّ ظاهرها حینئذ وقوع غیر الزّکاة من سائر الأعمال فی محلّها فیکون عدم القضاء من جهة صحّتها.
ومسألة اشتراط العبادات بالولایة محتاجة إلى البحث والتأمّل وفیها کلام فی محلّها.
وبالنسبة إلى روایة «دعِ الصّلاة أیّام اقرائک» نقول: إنّ النهی الوارد فیها لیست نهیاً تشریعیّاً بل إنّه إرشاد إلى عدم وقوعها صحیحة وأنّ الحیض مانع عن وقوع الصّلاة صحیحة، فکأنّها تقول: «لا تصلّ لأنّک لا تقدرین علیها» ومن المعلوم أنّ حدث الحیض مانع عن الصّلاة الصحیحة لا الفاسدة.
الوجه الثانی: سلّمنا أنّها استعملت فی مثل هذه الرّوایات فی الأعمّ ولکنّه لا یکون دلیلا على الحقیقة لأنّه لم یصل إلى حدّ الاطّراد.
الوجه الثالث: أنّ المستعمل فیه فی هذه الأخبار لیس هو المعنى الأعمّ بل هو المعنى الصحیح، لکن الصحیح بحسب اعتقادهم (فی روایة الولایة) والصحیح لولا الحیض (فی روایة الحائض) فتکون هذه الأخبار حینئذ على خلاف المقصود أدلّ.
الأمر الخامس: أنّه لا ریب فی صحّة تعلّق النذر أو الحلف بترک الصّلاة فی مکان تکره فیه کالحمام وغیره، ولا ریب أیضاً فی حصول الحنث بفعلها فی ذلک المکان بعد النذر أو الحلف، وحینئذ یقال: أنّ الألفاظ لو کانت موضوعة للصحیح وکان النذر أو الحلف قد تعلّق بترک الصحیح لم یحصل الحنث بفعل الصّلاة فی ذلک المکان المکروه، لأنّها بعد تعلّق النذر أو الحلف بترکها فیه تحرم فتفسد، وبالصّلاة الفاسدة لا یکاد یحصل الحنث لأنّه خلاف ما تعلّق النذر بترکه، مع أنّ حصول الحنث به أمر مفروغ عنه، بل یلزم منه (من تعلّق النذر بترک الصحیح) محال، لأنّه یلزم من فرض الصحّة تحقّق النذر، ومن تحقّق النذر عدم الصحّة، فیلزم من فرض الصحّة عدم الصحّة وهو محال.
ویرد علیه اُمور:
الأمر الأوّل: أنّه لا ربط لهذه المسألة بمسألة الصحیح والأعمّ، لأنّ مفادها عدم إمکان تعلّق النذر بترک الصّلاة الصحیحة فی مکان تکره فیه بل اللازم تعلّقه بالأعمّ من الصحیح والفاسد، فهی مسألة فقهیّة مخصوصة بباب النذر ترشد کلّ واحد من الصحیحی والأعمّی إلى عدم صحّة تعلّق النذر على الصّلاة الصحیحة، فهما سیّان فیها ولا ربط له بالمسائل اللغویّة وأنّ الألفاظ هل وضعت للصحیح منها أو للأعمّ لأنّها تقتضی عدم صحّة تعلّق النذر بالصحیح ولا تقتضی عدم وضع اللفظ له شرعاً.
الأمر الثانی: أنّه یمکن أن یقال بأنّ المراد فیها أیضاً الصّلاة الصحیحة ولکن الصحیحة لولا النذر کما تقتضیه طبیعة الحال، ومرّ نظیره فی خبر «دع الصّلاة أیّام اقرائک».
ومن المعلوم أنّ الفساد الناشیء من قبل النذر لا ینافی الصحّة لولا النذر فإنّ صدق الموضوع إنّما هو مع قطع النظر عن ورود الحکم علیه.
الأمر الثالث: أنّه لا بدّ من تعلّق النذر بالصحیح لأنّ تعلّقه بالأعمّ یستلزم عدم انعقاده لعدم کون ترک الأعمّ من الصحیح والفاسد راجحاً.
هذا مضافاً إلى ما بنی علیه المشهور فی تحریر محلّ النزاع من خروج الشرائط عن المسمّى خصوصاً الشرائط المتأخّرة عن الأمر، وفی ما نحن فیه تکون علّة بطلان الصّلاة عدم تحقّق قصد القربة وهو من الشرائط المتأخّرة.
لکن قد عرفت أنّ المختار کون الشرائط برمّتها داخلة فی محلّ البحث کما یشهد علیه هذا الاستدلال وما أشبهه.
إلى هنا تمّ الکلام فی استدلالات القائلین بالأعمّ، وقد عرفت عدم تمامیّة شیء منها.
تنبیهات (فی مسألة الصحیح والأعمّ)