نقد ودراسة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
على مفترق طریقین
أسباب فشل ابن تیمیة!التبریر الواهی

الواقع إنّ عمدة ما یستند إلیه «الوهابیون» فی کتبهم المختلفة فی بحث التوحید والشرک هی الآیات المتقدمة آنفاً حیث نجدها فی جمیع کتاباتهم، فی حین أنّهم یمرون على غیرها من الآیات الکریمة القرآنیة مرور عشواء، ویتغافلون عن مدلولها، فهم یتحرکون فی فهمهم للقرآن من موقع الانتقاء بشکل کامل.

وضمناً، ولغرض اجهاض محاولات علماء الإسلام الذین یستندون بآیات قرآنیة اُخرى لکشف زیف هذه الفرقة وبطلان مدعیاتها، قالوا: إنّ جمیع الآیات الاُخرى المخالفة للآیات السابقة والتی یستدل بها العلماء المسلمون فی مسألة «التوحید والشرک» من الآیات المتشابهة(1). بینما الآیات التی یستدل بها الوهابیون لصالح مدعیاتهم من محکمات القرآن! !

وعند إلقاء نظرة دقیقة فی مطاوی هذا الموضوع یتجلّى لنا الاستنباط الخاطىء لأنصار الوهابیة من ناحیة سواء الفهم لـِ «ست مفردات قرآنیة» وبالتالی حکموا على جمیع المسلمین سواهم بالشرک والکفر واتهموهم بالمروق من الدین.

ومع الأسف فإنّ العالم الإسلامی دفع ثمناً غالیاً بسبب هذا الفهم الخاطىء لهذه المفردات القرآنیة الست، وما أکثر الدماء المقدّسة التی سفکت فی بلاد الإسلام، وما أکثر الأموال والثروات التی نهبت؟ واستمر الحال بالمسلمین إلى هذا الیوم حیث نرى نماذج من هذه الحوادث المؤسفة فی مناطق متعددة من العالم الإسلامی کما رأینا فی حکومة الطالبان فی أفغانستان وفی تفجیرات جیش الصحابة فی مساجد الشیعة فی باکستان أو حوادث القتل والانفجارات المروعة فی العراق فی صفوف الشیعة وأهل السنّة، فی کل یوم وحتى فی العربیة السعودیة فی مدینة «الریاض» و«الخبر» و غیرهما!

لماذا لا یقبل هؤلاء بالجلوس على مائدة الحوار المشترک مع علماء الإسلام من الأزهر، والشام، وقم، والنجف، ویبحثون معهم هذه المسائل بحثاً منطقیاً، لتتضح الحقیقة للناس.

لماذا نرى أنّ بحوثهم تعتمد أُسلوباً تهاجمیاً وتبدأ اجابتهم بجملة «أیّها المشرک الجاهل»، وهم ینطلقون فی تعاملهم مع الطرف الآخر بأنّه مهدور الدم ومشرک وجاهل ثم بعد ذلک یدخلون معه فی جدال ونقاش؟!

لماذا نرى هؤلاء غیر مستعدین لإجراء مباحثات أخویة مع سائر المسلمین وتماهیاً مع قول القرآن الکریم: (...فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ...)(2).

فلو أنّهم تحرکوا فی تعاملهم مع الآخرین من هذا الموقع فسوف لم تصل الحالة إلى ما وصلت إلیه من سفک دماء المسلمین ونهب ثرواتهم وتسلط الأعداء علیهم، ولم تجد حفنة من الصهاینة مجالاً للتلاعب بمصیر المسلمین. فما الجواب الذی سیجیبون الله تعالى به غداً یوم القیامة عند المیزان والحساب؟!

على أیّة حال فهذه المفردات المحوریة الست عبارة عن:

1 ـ الشرک والمشرک (فی القرآن الکریم).

2 ـ الإله فی لا إله إلاّ الله (فی القرآن الکریم).

3 ـ العبادة «فی القرآن الکریم».

4 ـ الشفاعة «فی القرآن الکریم».

5 ـ الدعاء «فی القرآن الکریم».

6 ـ البدعة «فی القرآن الکریم والسنّة الشریفة».

 

 

أ) مفهوم «الشرک» فی القرآن

 

إنّ أول کلمة وقع الوهابیون فی قراءة خاطئة لها وبالتالی أفتوا بإباحة دماء الکثیر من المسلمین وأموالهم وأعراضهم، هی کلمة «الشرک» و«المشرک».

 

«الشرک»: فی اللغة بمعنى الشرکة فی شیء.«الشریک» هو المتساوی فی نمط واحد.

وجاء فی لسان العرب فی معنى الاشراک: «أشرک بالله: جعل له شریکاً فی ملکه» وقال فی معنى الشرک: «والشرک أن یجعل لله شریکاً فی ربوبیته». وعلى هذا الأساس فإنّ الشرک یعنی أن یجعل لله شریکاً فی الحاکمیة والربوبیة.

یقول الراغب الاصفهانی فی «مفرداته»: «وشرک الإنسان فی الدین ضربان: أحدهما، الشرک العظیم، وهو اثبات شریک لله تعالى، یقال أشرک فلان بالله، وذلک أعظم کفر ویؤدّی إلى الحرمان من الجنّة، قال تعالى: (مَنْ یُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ)(3).

والثانی: الشرک الصغیر، وهو مراعاة غیر الله معه فی بعض الاُمور وهو الریاء والنفاق المشار إلیه بقوله: (وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِکُونَ)(4).

وعلى هذا الأساس فحقیقة الشرک العظیم هو ما تقدم من إثبات شریک لله تعالى فی الخالقیة والمالکیة والربوبیة والعبادة.

ولکن إذا قلنا إنّ المسیح کان یشافی المرضى بإذن الله أو یحیی الموتى بإذن الله و کان یخبر عن الغیب وبواسطة العلم الذی اکتسبه من الله تعالى أو یکشف عن بعض الأسرار الخفیة، باذن الله فلا یعتبر ذلک من الشرک ولا یکون هذا الکلام مجانباً للصواب.

ألم یحدثنا القرآن الکریم عن هذه الحقیقة على لسان المسیح ویقول: (وَأُبْرِءُ الاَْکْمَهَ وَالاَْبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لاَیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنینَ)(5).

وعلیه فلو طلبنا من النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أو بعض عباد الله الصالحین من أولیاء الدین کأئمة أهل البیت(علیهم السلام) مثل هذه الاُمور وبهذه الصورة «أی بإذن الله» فلا یعدّ هذا من الشرک، بل هو عین التوحید، لأننا لم نجعل هؤلاء الأولیاء فی مستوىً واحد وفی عرض واحد مع الله تعالى، فی التأثیر بل نعتقد بأنّهم عباده المخلصون فی طاعته.

والعجیب کیف أنّ علماء الوهابیة فهموا من هذه المفردة «الشرک» الواضحة فی معناها مثل هذا الاستنباط الخاطىء وادّعوا أنّ کل طلب من عباد الله الصالحین الذین لا یفعلون أمراً إلاّ بإذنه، من الشرک، فهذا المعنى مخالف لصریح القرآن.

ولنفرض أنّ شخصاً یمتلک غلاماً مطیعاً لأوامر سیّده ولا یتصرف بشیء إلاّ بإذنه، فلو أنّ شخصاً طلب منه أن یسأل سیّده ویطلب منه عملاً معیناً فهل أنّه بمسألته هذه قد جعل الغلام شریکاً فی عرض واحد لمولاه، أو أنّ ذلک یقع فی مسیر الخدمة للمولى و الطلب منه؟

هل یعتقد عاقل منصف بأنّ هذا العمل یعتبر من الشرک؟

إنّ جمیع هذه الأخطاء فی الفهم الدینی من النصوص ناتجة عن انتقائهم للآیات القرآنیة وعدم رؤیتهم الشمولیة لجمیع الآیات فی عرض واحد واستنباط المدلول الصحیح لها، وإنّما حکّموا مسبوقاتهم الفکریة وحملوا بعض الآیات الشریفة لتنسجم مع هذه الرؤیة الخاطئة وترکوا الباقی و رفضوها رفضاً تامّاً.

 

ب) مفهوم «الإله»

 

لقد تصوّر شیخ الإسلام الوهابی أنّ کلمة «إله» تأتی بمعنى «المعبود» فقط، وعلیه فإنّ جملة «لا إله إلاّ الله» التی تعتبر شعار نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)وجمیع المسلمین فی العالم، ناظرة لمسألة «التوحید فی العبادة» فقط، أی أنّه لا معبود إلاّ الله تعالى، وعلیه فإنّ هذه الجملة غیر ناظرة إلى نفی الشرک فی الخالقیة والرازقیة والربوبیة وأمثالها، لأنّ المشرکین فی الجاهلیة کانوا یقرّون بالتوحید فی الخالقیة والرازقیة والربوبیة، وانحرافهم الوحید کان عدم التوحید فی العبادة لأنّهم کانوا یعبدون غیر الله تعالى.

 

توضیح ذلک

 

إنّ المشرکین فی الجاهلیة، وخلافاً لتصوّر الوهابیین، لم یتورطوا فقط فی وادی الشرک فی العبادة، وبتعیبر آخر، إن کلمة «إله» لم تستعمل دائماً بمعنى «المعبود»، بل جاءت أحیاناً بمعنى «الخالق»، یقول القرآن الکریم: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الاَْرْضِ هُمْ یُنشِرُونَ * لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّاللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ)(6).

فنرى فی هذه الآیات الشریفة بوضوح أنّ «آلهة» جمع «إله» جاءت بمعنى «الخالق» لأنّ الحدیث فی الآیة الشریفة یدور حول «التوحید فی الخالقیة» لا «التوحید فی العبادة».

ونقرأ فی آیة اُخرى هذا المعنى بوضوح أکثر حیث تقول: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَد وَمَا کَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا یَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ)(7).

هذه الآیات الکریمة تنفی وجود خالق آخر غیر الله تعالى «وجاء بلفظ إله» و تقول لو کان هناک إله آخر غیره لانهدم نظم العالم وفسد انسجام الکون. فهذه الآیة تبیّن عقیدة العرب المشرکین فی مسألة تعدد الخالق وتقول: (فَتَعَالَى عَمَّا یُشْرِکُونَ).

وعلى هذا الأساس فإنّ حصر دعوة الإسلام للتوحید فی العبادة وعدم الالتفات إلى الأقسام الاُخرى من التوحید، یمثّل خطأً کبیراً فی فهم الآیات القرآنیة التی تقرر هذا المعنى بصراحة بالغة.

إنّ جمیع الشواهد تشیر إلى أنّ الوهابیین أهملوا کثیراً من الآیات القرآنیة المخالفة لاستنباطهم من مسألة التوحید والشرک وغفلوا أو تغافلوا عنها تماماً، والحال أنّ الکثیر منهم من حفظة القرآن الکریم حسب الظاهر، ولکن مع الأسف یستندون دائماً إلى بعض الآیات الموافقة لآرائهم الباطلة، لأنّ حفظ القرآن لا یعنی بالضرورة فهم معنى القرآن!

ویستفاد أیضاً من آیات اُخرى أنّ بعض المشرکین کانوا یعتقدون فی نظرتهم للأوثان غیر مسألة العبادة والخالقیة، حیث یعتقدون بربوبیة الأصنام، أی تأثیرها فی مصیر الإنسان، بمعنى تأثیرها على مصیرهم، وکانوا یتصورون بشکل خرافی أنّ الأصنام تغضب على أعدائها ومخالفیها وتعمل على تدمیرهم والإضرار بهم وفی نفس الوقت ید العون إلى عابدیها وتعمل على اسعادهم، وعلى سبیل المثال یحدثنا القرآن الکریم عن المشرکین من قوم هود حیث کانوا یقولون: (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاکَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوء قَالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّی بَرِىءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ)(8).

وهکذا نرى أنّ المشرکین کانوا ینسبون الغضب لآلهتهم وأنّها قد تلحق الضرر بالناس أو تنفعهم وتزید من برکتهم، وهذا یعنی أنّ المشرکین کانوا یتصورون أنّ الأصنام تتدخل فی تعیین مصیرهم وهو نوع من القول بربوبیتها، وهناک شعر معروف قاله الشاعر الجاهلی فی ذم طائفة «بنی حنیفة» حیث صنعوا لهم صنماً من التمر! ولکنّهم أکلوه فی عام القحط! ویقول:

أکلت حنیفة ربّها عام التقحم والمجاعة *** لم یحذروا من ربّهم سوء العواقب والتباعة(9)

إنّ کلمة «ربّ» اطلقت فی هذا البیت على الصنم، وقد حذّر الشاعر هؤلاء الآکلین سوء العاقبة ونتائج غضب الآلهة هذه.

ویقول شاعر آخر فی هذا الصدد:

«أربّ یبول الثعلبان برأسه... آلا ذلّ من بالت علیه الثعالب».

وهکذا نرى فی تاریخ عبادة الأوثان اطلاق کلمة «ربّ» و«أرباب» على الأصنام ممّا یعکس اعتقادهم بأنّ تدبیر اُمور العالم بید هذه الأصنام ! !

ومن هنا یحدثنا القرآن عن قول یوسف عندما دعا رفیقیه فی السجن إلى التوحید: (یَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)(10). انظر الى کلمة ارباب هنا.

والشاهد الآخر أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) کان یدعو المشرکین من أهل الکتاب إلى التوحید فیما یصرّح به القرآن الکریم: (قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى کَلِمَة سَوَاء بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَلاَ یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(11).

وکما ترى فإنّ عبارة «أرباب» تشیر بوضوح إلى أنّ هؤلاء المخاطبین من أهل الکتاب قد تورطوا فی شرک الربوبیة.

ونقرأ فی آیة اُخرى من هذه السورة نفسها: (وَلاَ یَأْمُرَکُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِکَةَ وَالنَّبِیِّینَ أَرْبَاباً أَیَأْمُرُکُمْ بِالْکُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(12).

ولا نبتعد کثیراً عن الموضوع فالقرآن الکریم یصرّح بهذه الحقیقة بالنسبة لعبدة الأوثان ویقول: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنصَرُونَ)(13).

وهذا یعنی أنّهم مصابون بالشرک فی الربوبیة باعتقادهم تأثیر الأوثان فی مصیرهم وأنّها تملک قدرة خارقة للعادة.

ونقرأ فی قصة إبراهیم(علیه السلام) عندما تماهى مع عبدة الأوثان فقال فی بدایة الأمر مشیراً إلى النجم والقمر والشمس بقوله (هذا رَبّی)(14). لیثبت بطلان عقیدتهم بها فی نهایة المطاف.

إنّ اهتمام إبراهیم(علیه السلام) بمقولة الربوبیة تعکس بوضوح أنّ المشرکین فی «بابل» کانوا یتصورون أنّ القمر والشمس والنجوم مؤثرة فی مسیرة حیاتهم، وکذلک الحال فی کلام إبراهیم أمام نمرود و قوله (رَبِّی الَّذِی یُحْیِى وَیُمِیتُ).

النتیجة: إنّ کلمة «إله» لا تعنی فقط «المعبود»، بل تأتی أحیاناً «الخالق» وأحیاناً اُخرى «الرب»، وإنّ المشرکین لم یقتصروا فی شرکهم على عنصر «العبادة» بل کانوا مشرکین فی مسألة «الخالقیة» و«الربوبیة» و ایضاً.

وعلى هذا الأساس فعندما یحدثنا القرآن الکریم عن اعتراف المشرکین بوجود الله ویقول بإنّه لو سألتهم عمن خلق السموات والأرض لیقولن الله، فمقصوده مدبّر السموات والأرض، لعدم وجود

 

التناقض بین الآیات القرآنیة.

وبعد هذا هل یجوز لزعماء الوهابیة بمقتضى قراءتهم الواهیة لهذه الآیات القرآنیة وخاصة لمفهوم کلمة «إله»، أن یفتوا بإباحة دماءالمسلمین وأموالهم؟ والحقیقة: ما أتفه قیمة المسلمین ودماؤهم وأموالهم لدى هذه الجماعة!!

 

 

ج) مفهوم «العبادة»

 

إنّ کلمة «العبادة» هی ثالث مفردة قرآنیة أساء الوهابیون فهمها وقالوا بصراحة: إذا توجه المسلم إلى الصالحین یطلب منهم الشفاعة عند الله فهو مصداق الآیات الشریفة التی تقول:(أَلاَ للهِِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِیُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ)(15).

ولکن هؤلاء لم یلتفتوا إلى هذه الحقیقة القرآنیة، وهی أنّ المشرکین لم یکن خطأُهم فی طلب الشفاعة من الصالحین بل لکونهم یعبدون هذه الأوثان طلباً للشفاعة، ویسجدون لها من أجل ذلک (کما یتبیّن هذا المعنى من مفهوم الآیة الشریفة أعلاه وجملة «ما نعبدهم» فالمشکلة هی العبادة لا طلب الشفاعة فتأملوا).

عندما نزور رسول الله(صلى الله علیه وآله) ونقول: یارسول الله اشفع لنا فی الدنیا والآخرة، فهل یعنی هذا عبادتنا له؟ وهل نلقی بأنفسنا على الأرض ونسجد لرسول الله؟

ما هی علاقة طلب الشفاعة بالعبادة؟ إنّ کل شخص من العرف أو أهل اللغة یعلم بأنّه لو حضر شخص عند المسیح وأحضر معه طفله الأعمى وقال للمسیح: أنت تدعی أنّک تشفی الأکمه والأبرص بإذن الله (وَأُبْرِءُ الاَْکْمَهَ وَالاَْبْرَصَ)، لذلک فإنی أسألک أن تشافی ولدی بإذن الله، فأین هذا من واقع العبادة لله؟!

إنّ القرآن الکریم نفسه قد أذن بمثل هذه السلوکیات والممارسات.

إنّ «العبادة» تعنی فی اللغة والعرف أن یبلغ الشخص نهایة الخضوع للطرف المقابل من قبیل الرکوع والسجود له، وأمّا طلب الحاجة من الآخر فلا یرتبط بهذا الموضوع اطلاقاً، یقول الراغب فی مفرداته: «العُبُودیَّةُ إِظهارُ التُذَلُّلِ وَالعِبادَةُ أَبْلَغُ مِنْهـا لأَنَّهـا غـایَةُ التُذَلُّلِ»(16).

وجاء فی لسان العرب مادة «عبد»: «أَصْلُ العُبُودِیَّةِ الخُضُوعُ وَالتَذَلُّلُ».

والملفت للنظر أنّ زعماء المذهب الوهابی یؤکدون على عبارة (لِیُقَرِّبُونـا إِلى اللهِ زُلفى)، ولکنّهم یغضون الطرف عن جملة (مـا نَعْبُدُهُم إلاَّ...)، إذن فالإشکال فی عمل المشرکین یکمن فی عبادتهم غیر الله لا فی «طلب الشفاعة للتقرب إلى الله»، حتى إذا کان طلب الشفاعة هذا بإذن الله «فتدبر».

أجل، فعندما یبحث الإنسان فی مسألة معینة بالاستناد إلى مسبوقاته الخاطئة فسوف یرى ما یوافق مقصوده جیداً ولا یرى أبداً ما یخالف رأیه، وأحیاناً یتعامل معه من موقع التساهل والاهمال، ثم یفتی بقتل ملایین الأبریاء من المسلمین على أساس أنّهم مشرکون ویستبیح دماءهم وأموالهم وأعراضهم!!

وسیأتی تفصیل الکلام عن حقیقة الشفاعة والدعاء لاحقاً «إن شاء الله».

 

 

د) مفهوم «الشفاعة»

 

ورابع مفردة قرآنیة فسّرها أفراد هذه الطائفة تفسیراً خاطئاً هی کلمة «الشفاعة»، وکما تقدم أنّ هؤلاء أصدروا حکماً بکفر جمیع من یطلب الشفاعة من النبی(صلى الله علیه وآله) أو أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) وغیرهم من الصالحین، واتّهموهم بالشرک کما تقدم کلامهم فی ذلک.

إنّ هؤلاء تحرکوا فی هذا الخط بشدّة وأفرطوا فی اتهام المسلمین بالشرک کما رأینا فیما کتبه زعیمهم فی کتاب «کشف الشبهات» حیث قرر اتهامه المسلمین بالشرک بدلیلین وصرّح أنّهم أشدّ وأشنع من المشرکین فی زمان الجاهلیة، رغم أنّ المشرکین فی الجاهلیة لم

یکونوا یعتقدون بالمعاد ولا یصلّون ولا یؤدون فریضة من فرائض الإسلام. ومضافاً إلى ذلک کانوا یتهمون نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)بإنّه ساحر وأنّ القرآن کتاب سحر وحاولوا قتل النبی، ومع ذلک یقول إمام الوهابیة إنّ هؤلاء المشرکین أفضل من المشرکین فی عصرنا «وهم یعتقدون بکل ما جاء فی الرسالة السماویة ویتعبدون بجمیع تعالیم الإسلام وآدابه ولا ذنب لهم سوى طلبهم الشفاعة من رسول الله(صلى الله علیه وآله)، ویصرّح بأنّ شرک اُولئک المشرکین فی زمن الجاهلیة» أیسر وأخف من شرک هؤلاء! لماذا؟

لأنّ اُولئک المشرکین کانوا یعبدون الأوثان فی حال الرخاء والدعة، ولکنّهم یترکون عبادتها فی حال الشدّة ویتوجهون إلى الله تعالى ویدعونه مخلصین کما فی حال الابتلاء بخطر الغرق فی البحر.

ما أشدّ عدم الانصاف لدى من یقول إنّ الأفراد المتدینین والملتزمین بجمیع تعالیم الإسلام وأحکامه والذین یجتنبون جمیع الذنوب وأشکال المعصیة ویدفعون زکاتهم وواجباتهم المالیة بشکل کامل ثم یأتون من مکان بعید لزیارة بیت الله الحرام مع کونهم من حفظة القرآن وعلماء فی المعارف الإسلامیة إلاّ أنّهم أسوأ من المشرکین القتلة وسفاکی الدماء وشاربی الخمر والملوثین بأنواع الذنوب والمعاصی والذین لا یقبلون بشیء من الرسالة السماویة، لسبب بسیط وهو أنّ الطائفة الاُولى تطلب الشفاعة من رسول الله(صلى الله علیه وآله)أو من غیره من الأولیاء، فهم مشرکون وتباح دماؤهم وأموالهم!!

ألا یعدّ مثل هذا الکلام بعیداً عن المنطق فی أجواء عالمنا المعاصر؟

وعلیه ألا نقبل أنّ عمر هذا المذهب وهذه الأفکار الماضویة فی طریقها إلى الزوال وأنّ محلها الطبیعی هو متحف التاریخ؟

والآن لنأخذ أصل مسألة «الشفاعة» لنرى المشکلة التی تقترن بهذه المسألة فی دائرة التوحید بحیث أدت إلى خلق هذا التنافر واتهام الکثیر من المسلمین بالکفر والشرک وأنتجت کل هذه المأساة.

هل أنّ شیخ الإسلام اکتشف حقیقة جدیدة فی هذه المسألة بقیت خافیة على علماء الإسلام طیلة التاریخ الإسلامی؟

الحقیقة أنّ أصل مسألة الشفاعة ورد ضمن آیات کثیرة فی القرآن المجید ویعد من مسلمات الفکر الإسلامی باجماع علماء الإسلام وحتى أنّ الوهابیین لا ینکرون أصل الشفاعة بل یعترفون بها بصراحة.

الحقیقة الاُخرى التی تعد من المسلمات أیضاً هی عدم إمکان شفاعة الشفعاء بدون إذن الله تعالى، لأنّه ورد هذا الموضوع بصراحة فی أکثر من خمس آیات قرآنیة، منها ما ورد فی آیة الکرسی حیث تقول: (مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ...)(17)

ویقرر مبدأ التوحید الأفعالی أنّ کل شیء فی العالم لا یتحقق إلاّ بإذن الله ولا شرک بالله تعالى من هذه الجهة، فلو کانت هناک شفاعة فهی بإذن الله وأمره، وبما أنّ الله تعالى حکیم على الاطلاق، فإنّ إذنه

للشفاعة یقوم على أساس الحکمة فلا یأذن بشفاعة الأشخاص الذین یفتقدون لیاقة الشفاعة من حیث تلوثهم بالمعاصی وسلوکهم فی خط الانحراف بحیث دمروا جمیع الجسور خلفهم «فتدبر».

إلى هنا لا خلاف فی هذه المسألة، إذن فأین یکمن الاختلاف؟

إنّ الاختلاف فیما بیننا وبینهم أنّ علماء الإسلام غیر «الوهابیین» یرون أنّ طلب المسلم من النبی شیئاً بمقتضى المقام الکریم الذی منحه الله تعالى له «أی مقام الشفاعة» لا یعدُّ عملاً مجانباً للصواب ولیس فقط لا یتنافى مع التوحید، بل یدعم ویکرس التوحید أیضاً، ولکنّ الوهابیین یقولون إنّک لو طلبت الشفاعة من رسول الله فأنت کافر ومشرک ومباح الدم والمال، فهل أنّ الشفاعة باطلة؟ کلاّ، حیث یتفق جمیع علماء الإسلام على صحتها وجوازها.

وهل أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) لیس له مقام الشفاعة؟ الجمیع یجیبون بالایجاب.

إذن فأین تکمن المشکلة؟ یقولون إنّ النبی یتمتع بمقام الشفاعة ولکن لا ینبغی أن تطلب الشفاعة منه وإلاّ ستکون کافراً، لأنّ القرآن یقرر هذه الحقیقة، وهی أنّ الجاهلیین کانوا یبررون عبادتهم للأصنام لتشفع لهم عند الله، فعملکم سیکون مثل عمل اُولئک المشرکین.

نقول: إنّ المشرکین کانوا یعبدون الأصنام ونحن لا نعبد اطلاقاً النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وأهل بیته الأطهار(علیهم السلام)، وأمّا طلب الشفاعة منهم فلا یرتبط من قریب ولا بعید بالعبادة.

ویقولون: إنّ الحق ما نقوله فقط.

 

فنقول: إنّ القرآن الکریم نفسه أمر المذنبین بالذهاب إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وطلب الاستغفار و«الشفاعة» منه عند الله تعالى لیغفر لهم: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً)(18).

وأوضح من ذلک ما ورد فی قصة یعقوب(علیه السلام) وأولاده حیث اعترفوا بذنبهم فیما یتعلق بیوسف(علیه السلام) وطلبوا من أبیهم أن یستغفر لهم و«یشفع» لهم عند الله تعالى: (قَالُوا یَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا کُنَّا خَاطِئِینَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ)(19).

فلم ینکر علیهم یعقوب طلبهم الوساطة والشفاعة عند الله تعالى، بل أمضى ذلک وأیّده.

فهل أنّ نبی الله یعقوب(علیه السلام) إتّهم أولاده بالشرک والکفر بسبب ذلک؟

 


1. شرح کشف الشبهات، ص 74.
2. سورة الزمر، الآیات 17 و 18.
3. سورة المائدة، الآیة 72.
4. سورة یوسف،الآیة 106.
5. سورة آل عمران، الآیة 49.
6. سورة الأنبیاء، الآیتان 21 و 22.
7. سورة المؤمنون، الآیتان 91 و 92.
8. سورة هود، الآیة 54.
9. شرح نهج البلاغة، لابن أبی الحدید، ج 7، ص 209.
10. سورة یوسف، الآیة 39.
11. سورة آل عمران، الآیة 64.
12. سورة آل عمران، الآیة 80.
13. سورة یس، الآیة 74.
14. سورة الانعام، الآیات 76 إلى 78.
15. سورة الزمر، الآیة 3.
16. مفردات الراغب، مادة «عبد».
17. سورة البقرة، الآیة 255.
18. سورة النساء، الآیة 64.
19. سورة یوسف، الآیتان 97 و 98.

 

أسباب فشل ابن تیمیة!التبریر الواهی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma