اتّفق فقهاء الإمامیّة على عدم القبول بغیر المسح على القدمین فی الوضوء، والروایات الواردة من طرق أهل البیت(علیهم السلام) صریحة فی هذا المعنى، وقد لاحظتم ذلک فی حدیث الإمام الباقر(علیه السلام) المذکور سابقاً، وهناک أحادیث کثیرة فی هذا المجال.

ولکن الأحادیث التی جاءت فی مصادر أهل السنّة مختلفة تماماً، فهناک عشرات الأحادیث أشارت إلى مسألة المسح على القدمین، أو تقول: إنّ النبی(صلى الله علیه وآله) بعد أن مسح على رأسه مسح على قدمیه، وهناک أحادیث أخرى نسبوها إلى النبی(صلى الله علیه وآله) تقول بالغسل وبعضها بالمسح على الخفین.

فالطائفة من الأحادیث التی ذکرت المسح فقط مذکورة فی الکتب المعروفة مثل:

1. صحیح البخاری.

2. مسند أحمد.

3. سنن ابن ماجه.

4. مستدرک الحاکم.

5. تفسیر الطبری.

6. الدر المنثور.

7. کنز العمال، وغیرها من الکتب المسلّم باعتبارها عند أهل السنّة.

ورواة هذه الأحادیث أشخاص مثل:

أ) أمیر المؤمنین علی(علیه السلام).

ب) ابن عباس.

ج) أنس بن مالک (الخادم الخاص للنبی(صلى الله علیه وآله)).

د) عثمان بن عفان.

هـ) بسر بن سعید.

و) رفاعة.

وسنکتفی هنا بذکر خمس روایات، وأعجب ما قیل من کلام، ما قاله بعضهم مثل الآلوسی المفسر المعروف: «لا یوجد أکثر من روایة واحدة لدى الشیعة دلیلاً على ذلک»(1):

والروایات هی:

1. عن علی بن أبی طالب(علیه السلام) قال: «کُنْتُ أرى بَاطِنَ القَدَمَیْنِ أَحَقُّ بالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِما حَتَّى رَأیْتُ رَسُولَ الله(صلى الله علیه وآله) یَمْسَحُ ظَاهِرَهُما»(2).

هذا الحدیث ذکر وبشکل صریح أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) قد مسح على القدمین، وبواسطة شخص مثل الإمام علی(علیه السلام).

2. عن أبی مطر قال: «بینما نحن جلوس مع علی(علیه السلام) فی المسجد إذ جاء رجل إلى علی(علیه السلام) وقال: أرنی وضوء رسول الله(صلى الله علیه وآله). فدعا قنبراً فقال: آتینی بکوز من ماء، فغسل یده ووجهه ثلاثاً، فأدخل بعض أصابعه فی فیه واستنشق ثلاثاً، وغسل ذراعیه ثلاثاً، ومسح رأسه واحدة...ورجلیه إلى الکعبین»(3).

3. عن بسر بن سعید قال: «أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء فتمضمض، واستنشق ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ویدیه ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح برأسه ورجلیه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: رأیت رسول الله(صلى الله علیه وآله) هکذا توضأ، یاهؤلاء أکذلک؟ قالوا: نعم، لنفر من أصحاب رسول الله(صلى الله علیه وآله)عنده»(4).

یشیر هذا الحدیث بوضوح إلى أنّ طریقة النبی(صلى الله علیه وآله) فی الوضوء هی المسح، وهذه الشهادة لا تنحصر بقول عثمان فقط، بل جمع من الصحابة أیضاً یشهدون على ذلک، وإن کانت قد ذکرت المسح على الرأس والقدمین ثلاثاً، إلاّ أنّه یمکن حمله على الاستحباب، أو خطأ الراوی.

4. عن رفاعة بن رافع أنّه سمع رسول الله(صلى الله علیه وآله) یقول: «إنّه لا تتم صلاة لأحد حتّى یسبغ الوضوء، کما أمر الله عزّ وجلّ، یغسل وجهه ویدیه إلى المرفقین ویمسح برأسه ورجلیه إلى الکعبین»(5).

5. عن أبی مالک الأشعری أنّه قال لقومه: «اجتمعوا أصلی بکم صلاة رسول الله(صلى الله علیه وآله) فلما اجتمعوا، قال: هل فیکم أحد من غیرکم؟ قالوا: لا، إلاّ ابن أخت لنا، قال: ابن أخت القوم منهم، فدعا بجفنة فیها ماء، فتوضأ ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعیه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدمیه ثمّ صلّى بهم»(6).

وما ذکرناه یمثل قسماً بسیطاً من الروایات الموجودة فی کتب أهل السنّة المعروفة، والتی نقلها رواة معروفون.

فأمّا الأشخاص والأفراد الذین ذکروا: أنّه لا یوجد أی حدیث یدلّ على المسح على الرجلین، أو لا یوجد أکثر من حدیث واحد على ذلک، فهم أناس غیر واعین ومتعصبون، حیث تصورا أنّ بإغماض العین وإنکار الواقعیات سیتم إلغاء الواقعیات.

فهم کمن أراد أن ینکر وجوب المسح المستفاد من دلالة الآیة فی سورة المائدة، حتى وصل بهم الأمر إلى أن قالوا إنّ الآیة صریحة فی الغسل، کما بیّناه سابقاً.

1. تفسیر روح المعانی، ج 6، ص 87 . 

2. مسند أحمد، ج 1، ص 124 .

3. کنزالعمال، ج 9، ص 448 .

4. مسند أحمد، ج 1، ص 67 .

5. سنن ابن ماجه، ج 1، ص 156 .

6. مسند أحمد، ج 5، ص 342 .