الاشتباه الآخر المهم لدى الوهابیة فی هذا الموضوع هو مقایسة طلب الشفاعة من الأولیاء فی حضرة الله سبحانه وتعالى مع طلب الشفاعة من الأصنام ـ تلک الأحجاز الجامدة التی لا روح فیها ولا عقل ولا شعور ـفی الوقت الذی نرى القرآن المجید قد أشار فی مواضع عدیدة إلى استشفاع الأنبیاء الربانیین(علیهم السلام) للمذنبین عند الله، فنذکر على سبیل المثال:
1. بعد أن عرف إخوة یوسف(علیه السلام) عظمة أخیهم والتفتوا إلى خطأهم ذهبوا إلى أبیهم طلباً للشفاعة، وقد لبى الأب طلبهم: (قَالُواْ یَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا کُنَّا خَاطِئِینَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّیَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ)(1). فهل کان النبی یعقوب(علیه السلام) مشرکاً؟
2. القرآن الکریم یرغب ویشجع المذنبین لطلب التوبة والشفاعة من النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) حیث یقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوکَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِیمًا)(2)، فهل هذا الترغیب والتشجیع شرک؟
3. یقول القرآن فی ذمه للمنافقین: (وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ تَعَالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَکْبِرُونَ)(3)، فهل یدعو القرآن الکریم الکفار والمنافقین للشرک؟
4. نحن نعلم بأنّ قوم لوط کانوا من أسوأ الأقوام، وقد طلب شیخ الأنبیاء إبراهیم(علیه السلام) الشفاعة لهم، حیث طلب من الله إمهالهم مدّة أکثر لعلهم یتوبون، ولکن بما أنّهم تجاوزوا حدّاً من الوقاحة أفقدهم قابلیة الشفاعة لهم جاء الخطاب للنبی إبراهیم(علیه السلام) بالإعراض عن طلب الشفاعة لهم: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِیمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى یُجَادِلُنَا فِی قَوْمِ لُوط * إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّاهٌ مُّنِیبٌ * یَا إِبْرَاهِیمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّکَ وَإِنَّهُمْ آتِیهِمْ عَذَابٌ غَیْرُ مَرْدُود)(4).
الجدیر بالذکر أنّ الله تعالى فی مقابل طلب الشفاعة هذه قد أثنى على النبی إبراهیم(علیه السلام) بشکل ممیز حیث قال: (إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّاهٌ مُّنِیبٌ)ولکن وجّه له الخطاب بأنّه قد فات الأوان ولم یبق مجال للشفاعة.
1. سورة یوسف، الآیة 97 و 98 .
2. سورة النساء، الآیة 64 .
3. سورة المنافقون، الآیة 5 .
4. سورة هود، الآیة 74-76 .
