إنّ «الإدارة» حالها فی التعقید حال «القیادة العسکریة»، ونعلم أنّه کلما ازداد التعقید فی العمل فإنّ المشکلات والآفات ستزداد معها، ولهذا السبب ینبغی على المدراء والقادة أن یتمتعوا بأعصاب قویة وسعة صدر ومثابرة واستعداد کامل لمواجهة التحدیات الصعبة التی یفرضها الواقع.
وقد سمعنا غالباً الحدیث المعروف: «آلَةُ الرِّئاسةِ سَعَةُ الصَّدْرِ»(1).
والنقطة الجدیرة بالاهتمام هنا أنّ الکثیر من الروایات الإسلامیة تقرن بین «العلم» و«الحلم» بوصفهما عاملین لنیل التوفیق والنجاح فی حرکة الحیاة، ولیس الحلم سوى «سعة الصدر» وزیادة التحمل والتعامل مع المشکلات والأزمات بروح متأنیة.
ونقرأ فی حدیث عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «مَا جُمِعَ شیءٌ أفضل مِنْ حِلم إِلى عِلم»(2).
ونقرأ فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «کَفى بِالعِلمِ ناصِراً»(3).
وتتبیّن أهمیة هذه الصفة من خلال معرفة النقطة المقابلة لها، فالنقطة المقابلة لسعة الصدر والحلم هی «ضیق النظر» و«الاضطراب» و«التعسیر» و«الحقد» وهی من الآثار السلبیة الوخیمة فی أمر الإدارة والقیادة والتی لا تخفى على أحد.
إنّ سعة صدر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومین(علیهم السلام) وانفتاحهم على التحدیات وتحملهم للواقع الصعب تمثّل نموذجاً حیّاً یقتدی به المدراء والقادة ویکون لهم النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومون(علیهم السلام) أسوة وقدوة فی هذا المجال.
عندما اُصیب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی معرکة اُحد وأخذ الدم یسیل من جبینه وأسنانه المبارکة، فإنّه لم یفقد زمام سیطرته على أعصابه وأخذ یدعو لقومه الجهلاء: «اللّهُمَّ اهْدِ قومی فإنَّهُم لا یَعلَمونَ»(4). وسعة الصدر هذه عجیبة.
أمّا خلیفته بالحق الإمام علی(علیه السلام) فإنّه عندما ورد شریعة الفرات(5) فی معرکة «صفّین» وانتزعها من المعتدین «بنی اُمیّة»، أمر أن یکون الماء مباحاً للجمیع ولم یقبل أبداً باقتراح بعض الحاضرین الذی کان یرى ضرورة منع معاویة وجیشه من الماء، کما کان معاویة قد فعل ذلک عندما سیطر جیشه فی بدایة الأمر على نهر الفرات.
إنّ هذا الاُفق المفتوح وسعة الصدر مؤثرة فی نجاح عمل المدیر والقائد إلى درجة أنّها تستطیع تحویل العدو الغاشم إلى الصدیق ودود، کما تقول الآیة الشریفة:
(فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِیمٌ)(6).