إنّ من بین الأعضاء التی تمت الإشارة إلیها فی الآیات المذکورة هو اللسان ، الذی یعتبر بحق من عجائب خلق الله ، ولو کان لهذا اللسان لسانُ ینطقُ عنه ، لشَرحَ لنا ما فیه من عجائب ، حینها یتضح لنا لماذا استند إلیه القرآن الکریم .لو القینا نظرةً قصیرةً على واجبات ومسؤولیات اللسان ، لاظهرت لنا جانباً من هذه الحقائق ، وإجمالا فلّلسان ستة واجبات أساسیة هی :1 ـ دور اللسان فی هضم الطعام: لولا اللسان لما تمت عملیة هضم الغذاء بشکل کامل، و لبقی قسم من الغذاء غیر مهضوم، وسوف نضطر إلى تحریک الأکل باصابعنا لتتم عملیة مضغه بواسطة الأسنان فاللسان یُقلب الطعام باستمرار من ثلاث جهات بین الأسنان بحرکاته السریعة الماهرة ، دون أنْ یبقى فی وسطه ! أجل قد یصیبُهُ التعبُ والعجزُ أحیاناً فتَقتنصه الأسنان فیُصاب بشدّة ، وکأنَّ الله یرید أنّ یثبت لنا بأنّ اللسان لو لم یمنح تلک المهارة الفائقة لتکرر هذا المشهد یومیاً ولتعرض اللسان للجرح دائم .2 ـ خلط الطعام بلعاب الفم: اللعاب هو ذلک السائل اللزج الذی یعمل على ترقیق وانزلاق الطعام وإعداده للبلع ، من جهة ، ومن جهة اُخرى یجری علیه تفاعلات کیمیائیة خاصة ، ویُعدّه للبلع والهضم ، فاللسان هو الذی یتکفل بمسؤولیة مزجه بهذا السائل الحیوی .3 ـ المساعدة فی ابتلاع الطعام والماء: إنَّ اللسانَ یلعبُ دوراً أساسیاً فی نفوذ الطعام والماء ، فبالتجمُّع والالتصاق بسقف الفم والضغط على الماء والطعام یدفعه سریعاً نحو البلعوم ، ولو اُصیب بشلل لیوم واحد على سبیل المثال لتعسَّر ابتلاعُ لقمة واحدة ولعله یصبح مستحیل .4 ـ السیطرة على المواد الغذائیة: یستطیع اللسان وبسبب قوة التذوق الشدیدة فیه ـ أن یشخص الکثیر من المواد الضارة والسامة للجسم ، ویقذفها خارج ، ولولا دور اللسان فی السیطرة الماهرة على باب الدخول إلى الجسم لأُصیبَ الإنسان بالأمراض بسرعة نتیجة لأکلهِ الأطعمة المضرّة ، ولأصبح عرضة للأخطار ، فالطعام المُر والمالح ، أو المتَبَّل ، أو الفاسد والمتعفن یمیزه اللسانُ أول ، فیمنَعه من الورود إلى الجسم ، أجل ـ هذا الحارس الغذائی مکلَّفٌ بالسیطرة على جمیع المأکولات والمشروبات لیلا ونهار .
5 ـ تنظیف الفم: لابدّ أنّکم قد تفحصتم یوماً أنَّ الفم واللسان ینشغلانِ بالحرکة بعد الانتهاء من الطعام ، فهذه الحرکة هی لتحریک وإزالة بقایا الطعام حیث تُجمع فی فضاء الفم ثمَّ تُرسَلُ إلى القناة الهضمیة ، وهذا العمل یتحملُه اللسان بشکل أساسی وحتى انَّهُ ینظفُ الأسنان إلى حد م ، وخلاصة الأمر : یعتبر اللسان منظفاً ماهراً للفم .6 ـ النُطق: وأخیراً فانَّ أهمَّ وادقَّ واجب للّسان هو البیان الذی استند إلیه القرآن لا سیما فى بدایة سورة الرحمن لتعریف الله قائل : ( الرَّحمَنُ عَلَّمَ الْقُرآنَ خَلَقَ الانْسانَ عَلَّمَهُ الْبَیانَ ) . ومع أنَّ النطق یعتبر أمراً بسیطاً بسبب کثرة ممارسته ، إلاّ أنّه یعتبر فی الحقیقة من أکثر الأعمال تعقیداً حیث ینجزه الإنسان ب « لسانه » و « عقله » .فیجب أن یختار أولا الکلمة المناسبة من بین عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الکلمات وأحیاناً أکثر من هذا العدد ، ثم یصدر الأوامر إلى اللسان أن یتحرک على مقاطع الحروف بحرکاته الملتویة السریعة الماهرة ، وأن یُرکِّبَ الحروف المطلوبة بمساعدة الرئة والحنجرة والأوتار الصوتیة ویربطها فیما بینها وأن یکوِّنَ کلمةً واحدة ، ثم یختار الکلمة الثانیة بنفس السرعة ، ویولدُ أصواتاً معینة ، ویستمر هکذا حتى تکتمل الجملة ، ولو اخطأ الذهنُ قلیلا فی اختیار الکلمات فانّه یقصر عن استیعاب المعنى ولو حدث أدنى خطأ فی حرکات اللسان السریعة فی فضاء الفم لما کانت هناک جملة واحدة مفیدة .تأمّلوا الآن متکلماً یتحدث باتزان وفصاحة وبلاغة ساعة کاملة ، لقد أدار لسانه فی أطراف الفم آلاف المرّات واستند إلى مقاطع الحروف تماماً وذلک فی محیط صغیر تتقلص إمکانیة المناورة فیه کثیراً فأیُّ عمل عجیب واعجازیٍّ یؤدّیه ؟ وهذا لیسَ إلاّ عرضٌ لقدرة الخالق العظیم .ومن المسلم به أنّ الشفاه تُکمِّلُ عمل اللسان ، وتقوم بتکوین بعض الحروف ، وهذا التنسیق بین هذین العضوین یمثل عملا لطیفاً ومدهشاً وأهم منهُ العمل الفکری الذی یلازمه .
والخلاصة أنَّ لکلِّ عضو من الأعضاء الظاهریة أو الأجهزة الداخلیة للجسم کالقلب والدماغ والشرایین وشبکة الأعصاب قصةً مفصَّلةً ومثیرة ، ولو أردنا أنْ نتطرق إلى أسرارها واحد تلو الآخر لاستلزمَ سبعین منّاً من الورق لأنّ من الیسیر أن تمتلىء آلاف الکتب بأسراره ، فالأفضل لنا أن نعترف بقصورنا فی هذا المجال ونخضع إجلالا على أعتاب قدرة الخالق العظیم ، ونترنَّم بقول الشاعر بصدد الخلق ونقول أیّها الإنسان : عجباً لک إذ لم یکن للعالم مجال لمشاهدتک فلماذا لا تنظر إلى نفسک متعجب :أو نقول :أتزعُمُ انَّکَ جرمٌ صغیرٌ *** وفیک انطوى العالم الأکبرُ !