1 ـ لعلَّ إلى ما قبل قرن من الزمان کانت نظریة العلماء تنصُ على سطحیة الجبال ، وکان الاعتقاد السائد هو أنَّ کل الجبال عبارة عن قطع صخریة کبیرة تستقر على سطح الأرض ، ولکن مع مرور الزمان اُزیلَ الحجابُ عن سرٍّ مهم ، وتوصلَ العلماء إلى هذه الحقیقة ، وهی أنّ الجزءَ الأعظم من کل جبل یقع تحت الأرض !وکما یقول « جورج غاموف » فی کتاب « قصة الأرض » : « طبقاً للنظریات المعاصرة فانّ جبال الأرض لها أوضاع تشبه الجبال الجلیدیة التی تتکون تحت تأثیر ضغط الثلوج فی المناطق القطبیة ، فکلُ من زار المناطق القطبیة یعرف جیداً أنّ القطع الثلجیة الضخمة حینما تتکسر تحت تأثیر الضغط تتراکم على بعضه ، وتندفع نحو البحار وأثناء ذلک ـ تنهار اغلب کمیات الثلج فی المیاه ، ( ولعلَّ عُشرُها فقط خارج المیاه وتسعةُ اعشارها تحت الماء ) ، ولهذا ففی مقابل کلِّ جبل یرتفع على سطح الأرض هنالک جبلٌ تحت سطح الأرض ، متکون من مادة حجر الغرانیت یَغوص فی ثنایا طبقة من الصخور التحتیة الناعمة »(1) .
وهنا نصل إلى هذه المسألة الاعجازیة فی القرآن حیث یطلق على الجبال « اوتاد » ومسامیر الأرض ، وذلک لأننا نعلم أنّ القِسمَ الأعظم من المسمار یغور فی الجدار أو الأشیاء الاُخرى دائم .
وهنا حیث تستخدم المسامیر فی تثبیت شیء م ، أو ربط القطع المختلفة مع بعضها أیض ، فهذا التعبیر یعتبر إشارة لطیفة إلى التأثیر المهم للجبال فی منع تبعثر قطع الأرض أثر الضغط الداخلی للکرة الأرضیة والضغط الناتج عن حالات المد والجزر .2 ـ لایقتصر دور الجبال على حفظ استقرار وثبات الأرض فحسب، بل تساعد فی استقرار المناخ المحیط بالأرض أیضاً، والکل یعلم مدى صعوبة العیش فی الصحراء الشاسعة لأنّ الهواء دائماً فی حالة من السرعة المقرونة بالغبار والرمال، فیصبح الاستقرار فی هذه المناطق عسیراً والتنفس صعباً مقرونا بعدم الراحة.
نعم .. فهذه القمم الشاهقة للجبال هی التی تقف أمام هذه العواصف الهوجاء ، وتصدُّه ، أو تُرسلها إلى طبقات الجو العلی .3 ـ إضافة إلى ذلک فإنّ للجبال تأثیراً بالغاً فی نزول الثلوج وهطول الأمطار ، لأنّها تقف فی طریق الغیوم والرطوبة الصاعدة من البحر ، فتوقفها وتدفعها إلى الهطول فینحدر بعض هذه الأمطار من سفوحه ، وتحتفظ بالقسم الآخر فی هذه السفوح، أو تحتفظ بها على هیئة ثلج وجلید فی قمته .4 ـ وکذلک فانَّ للجبال دوراً مهماً فی تعدیل حرارة الجو لا سیما فی المناطق الاستوائیة ، لأنَّ ارتفاع الجبال یؤدّی إلى ابتعاد المناطق المجاورة لها عن سطح الأرض ونحن نعلم أننا کلّما ابتعدنا عن سطح الأرض تزداد برودة الجو .5 ـ إنّ الجبالَ مصدرٌ مهمٌ لانواع المعادن والثروات الهائلة التی تختفی فی أعماقها، ومن أجل أن یظفر الناس بهذه الثروات فهم یتجهون إلى الجبال دائماً للبحث عنه .6 ـ للجبال دورٌ مهمٌ آخر فی ایقاف حرکة الکثبان الرملیة ، فنحن نعلم أنّ الکثبان الرملیة تتحرک أثناء هبوب الریاح فی الصحراء القاحلة ، وقد تدفُنُ تحتها الأشجار والناس والقوافل وحتى القرى ، وتصبح سبباً فی هلاک النباتات والحیوانات ، فإذا لم تتم السیطرة علیها فسوف تأتی على جمیع أنحاء الأرض ، فأیُّ عامل أفضلُ من الجبال یُمکنُه السیطرة علیه ؟!إنَّ هذه الفوائد العظیمة إضافةً إلى فوائد اُخرى کثیرة ذکرناها فی تفسیر الآیات السابقة
توضح لنا الدور المهم للجبال من جهة ، وعظمة آیات القرآن الکریم فی هذا المجال من جهة اُخرى .