إکتسب «بنو أمیة» عنوان الطلقاء لیعیشوا الذل والهوان بین المسلمین إثر الهزائم المنکرة التی مُنوا بها بعد شنهم لتلک المعارک والمؤامرات على الإسلام فی عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله). ولم یکن لهم حین رحیل رسول الله(صلى الله علیه وآله) أی اعتبار أو قیمة تذکر لیسعهم الوقوف بوجه الإسلام على غرار ما فعلوه فی العقدین السابقین.

ولکن بظهور تلک الحادثة التی أعقبت رحیل رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی السقیفة وأدّت بالنتیجة إلى إقصاء بنی هاشم عن الحکومة الإسلامیة وإدارة شؤون المجتمع الحدیث والملیء بالمعطیات آنذاک، فقد تمهدت الظروف التی أدّت بالتالی إلى استیلاء سلالة بنی أمیة على المجتمع الإسلامی. ولنسمع هذا الکلام من أعظم المصادر اعتباراً عند أهل السنّة، أعنی به صحیح البخاری الذی ذکر أنّه اجتمع ذلک الیوم طائفة من الأنصار فی السقیفة لیختاروا أمیراً للمسلمین حیث اختاروا سعد بن عبادة الأنصاری ـ زعیم قبیلة الخزرج ـ إلاّ أنّ أبا بکر احتج بأنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: «الإمارة فی قریش»(1) فغلبهم على أساس فضل قریش على سائر قبائل العرب. وهو المبدأ الذی حاربه الإسلام، وقد حصر النبی(صلى الله علیه وآله) زعامة الأمّة فی أهل بیت العصمة والطهارة(علیهم السلام). ولدینا الأخبار والروایات بشأن الحوارات التی دارت ذلک  الیوم فی السقیفة والتی تفید أنّ معیار انتخاب الخلیفة فی ذلک الجمع کان یدور بصورة رئیسیة حول محور قضیة قریش. قال ابن أبی الحدید فی شرحه للخطبة 26 من نهج البلاغة:

«قال عمر (للأنصار)، وَالله لا تَرْضَى الْعَرَبُ أَنْ تُؤَمِّرَکُمْ وَنَبِیُّها مِنْ غَیْرِکُمْ وَلاَ تَمْتَنِعُ الْعَرَبُ أَنْ تُوَلِّىَ أَمْرَها مَنْ کانَتِ النَّبُوَّةُ مِنْهُمْ مَنْ یُنازِعُنا سُلْطانَ مُحَمَّد وَنَحْنُ أَوْلِیاؤُهُ وَعَشِیرَتُهُ؟»(2).

وجاء فی روایة ابن إسحاق: «إنّکُم لَتَعلَمُونَ أنّ لقُریش مَنزلةً لَیستْ لِسِواها مِنْ قَبائلِ العَربِ، وَلا تَرضى العربُ إلاّ بِرَجُل مِنْ قُریش».

کما جاء فی کلام أبی بکر:

«وإِنَّ الْعَرَبَ لاَ تَعْرِفُ هذَا الاَْمْرَ إِلاَّ لِقُرَیْش»(3).

ومفهوم هذا الکلام أنّ الشرط اللازم لزعامة المسلمین لا یکمن فی التقوى والفضیلة فحسب، بل ما ینبغی مراعاته والإلتزام به «الشرف القبلی» والذی یقتصر على قریش فقط; فقریش التی کانت تتمتع فی الجاهلیة بذلک الشرف الدینی والمالی، بحیث کانت سائر القبائل تمتثل القوانین التی تسنها قریش، وقریش وحدها التی کان بیدها مصیر الحجاز آنذاک. وعلیه فلقریش الحق بعد النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی أن تأخذ بزمام أمور المسلمین وتمارس سلطاتها على الجمیع.

فکانت هذه الورقة الرابحة المهمّة التی استطاع أبو بکر من خلالها التغلب على کثرة الأنصار. ومجموع حوادث نصف القرن الأول الإسلامی یفید أنّ ما حدث فی السقیفة لم یکن هزیمة الأنصار إزاء فضل قریش فحسب، بل فتح الباب على مصراعیه لمزید من المشاکل على الإسلام.

ویمکن أیجاز أهم إفرازات السقیفة فی ثلاثة مطالب هی:

1 . صحیح البخاری، کتاب المحاربین، ج 8، ص 208 (بتصرّف وتلخیص) وشرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 2، ص 24.
2 . شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج2، ص 38.
3 . المصدر السابق، ص 24.