وتنقیح البحث فیه یحتاج إلى رسم اُمور:
الأوّل: فی أنّ اعتبار أجزاء المرکّب یتصوّر على ثلاث صور: تارةً یعتبر بشرط لا، کما إذا دلّ الدلیل على لزوم إتیان الرکوع بشرط الوحدة، واُخرى لا بشرط، کما فی ذکر التسبیح الکبرى فی الرکوع، وهى بنفسها على قسمین: فتارةً تعتبر الزیادة جزء للصّلاة کما فی مثال التسبیح فی الرکوع، واُخرى لا تعتبر جزء للصلاة کما أنّها لیست مضرّة بصحّة العمل (کما فی زیادة المسح فی الوضوء) إلاّ من ناحیة التشریع المحرّم، وثالثة نشکّ فی کیفیّة اعتبارها.
ومن ناحیة اُخرى: تارةً تکون الزیادة من سنخ المأمور به کما فی الرکوع الزائد، واُخرى تکون من غیر نسخه کما إذا أتى فی الصّلاة بأذکار أو أفعال من غیر نسخ أفعالها وأذکارها.
ثمّ إنّ کلّ ذلک إمّا یأتی به بقصد الجزئیّة فیکون نوعاً من التشریع، أو یأتی بها من غیر قصد الجزئیّة، فلابدّ من البحث فی أنّه ما هو مقتضى الأصل العملی حینئذ؟ فانتظر.
الثانی: قد یستشکل فی أصل تصویر الزیادة فی الأجزاء حقیقة فیقال: أساساً لا تتصوّر الزیادة فی الاجزاء لأنّها إمّا أخذت فی عنوان المأمور به بشرط لا فترجع الزیادة حینئذ إلى النقصان، لأنّ للمرکّب حینئذ قید عدمی (وهو عدم إتیان الزیادة) وهو ینعدم بإتیان الزیادة، أو أخذت لا بشرط فلا تصدق الزیادة حینئذ، أی لا یکون الزائد زائداً فی المأمور به، لأنّ المأمور به حینئذ إنّما هو طبیعی الجزء من غیر اعتبار وجود فرد آخر من الطبیعی معه، ولا اعتبار عدمه لأنّه على الفرض غیر مقیّد بکونه وجوداً واحداً ولا بکونه متعدّداً، فلو وجد فردان من الطبیعی أو أکثر یصدق على الجمیع أنّها من مصادیق المأمور به فلا تتصوّر الزیادة.
وقد اُجیب عنه بوجوه أحسنها: أنّ الزیادة وإن ترجع إلى النقیصة بالدقّة العقلیّة لکنّه لا إشکال فی صدقها عند العرف، والمقصود فی المقام إنّما هو البحث فی إیجاب الزیادة العرفیّة بطلان المأمور به وعدمه.
وإن شئت قلت: إنّ الحکم فی ما نحن فیه لا یدور مدار التسمیة وصدق عنوان الزیادة أو النقیصة، بل البحث فی أنّ ما أتى به زائداً على الاجزاء هل یوجب الفساد أو لا، سواء صدق علیه اسم الزیادة أو لا.
ومن تلک الوجوه: أنّه یتصوّر فی اعتبار المأمور به شقّ ثالث، وهو أن یعتبر المولى صرف الوجود من الطبیعة، أی ما هو عادم العدم ونقیضه، فقهراً ینطبق المأمور به على أوّل وجود من تلک الطبیعة التی أخذت جزءً، ولا ینطبق على الوجود الثانی، بل یصدق علیه عنوان الزیادة حقیقة.
ولکن یرد علیه: أنّه لا یخلو الأمر فی مقام الثبوت والواقع من إحدى الحالات الثلاثة فإمّا أخذت الماهیّة لا بشرط أو بشرط شیء أو بشرط لا، والحصر عقلی لا یتصوّر فیه شقّ رابع بعنوان صرف الوجود، بل لا یکون صرف الوجود أیضاً خارجاً من هذه الثلاثة.
الثالث: فی مقتضى الأصل العملی فیما إذا أتى بالزائد من دون قصد الجزئیّة والتشریع.
ربّما یقال: إنّ جمیع المبانی المذکورة فی النقیصة تأتی هنا أیضاً، فیکون الأصل (بناءً على ما هو المختار هناک) هو البراءة لأنّه لو کانت الزیادة مضرّة وموجبة للبطلان لکان على الشارع البیان.
وإن شئت قلت: إنّ کون الزیادة موجبة للبطلان سواء کانت عمدیة أو سهویة متوقّف على اعتبار الجزء بشرط لا، أی اعتباره مقیّداً بعدم الزیادة، والشکّ فیه یرجع إلى الأقل والأکثر فی المرکّبات التحلیلیة، وقد تقدّم أنّ المختار فیها جریان البراءة، فمقتضى الأصل عدم البطلان إلاّ أن یدلّ دلیل خاصّ على أنّ الزیادة مطلقاً موجبة للبطلان، کما ورد الدلیل على البطلان فی باب الصّلاة والطواف عند الزیادة العمدیة.
لکن یمکن أن یقال: بأنّ بناء العقلاء فی المرکّبات المخترعة مثل الأدویة والأغذیة على عدم جواز إتیان الزیادة، فلو أمر المولى بمعجون من کذا وکذا لم یجز التعدّی من الأجزاء والحدود التی بیّنها، وهذا یمنع عن حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان، وعن جریان أصل البراءة الشرعیّة (قاعدة رفع ما لا یعلمون) لأنّ السیرة العقلائیّة ـ بعد امضاء الشارع ولو بعدم الردع ـ بمنزلة الأمارة وتوجب رفع موضوع البراءة (وهو الشکّ) وتکون واردة علیها، والنتیجة حینئذ قاعدة الاشتغال وبطلان العمل بالزیادة.
الرابع: بناءً على کون الأصل الأوّلی هو البراءة ـ هل یلزم البطلان من ناحیة اعتبار قصد القربة فی التعبّدیات أو لا؟
وهذا یتصوّر له صورتان: تارةً یأتی بالزیادة بقصد الزیادة بحیث لولاها لا یأتی بالعمل برأسه فلا إشکال حینئذ فی البطلان لعدم تحقّق قصد القربة وعدم تمشّیه، ولکن مثل هذا نادر جدّاً، واُخرى یأتی بها من باب تطبیق المأمور به علیها من دون أن یکون محرّکه الإتیان بالزیادة بل المحرّک هو إطاعة المولى کیفما کان، فالحکم بالصحّة هو الأقوى على فرض جریان البراءة فی المقام.