وقع الکلام بینهم فی اختصاص هذه القاعدة بالمبیع أو شمولها للثمن أیضاً.
ظاهر کلام غیر واحد منهم العموم، بل قد یدّعى عدم الخلاف فیه، بل قد یشعر بعض کلماتهم بالإجماع.
قال فی «مفتاح الکرامة»: «ثم إنّ ظاهر العبارات فی البابین، ومقتضى الأصل، وظاهر النبوی أن تلف ثمن المعیّن قبل قبضه یکون من مال البائع، لأنّه صار ماله بالعقد على عینه، لکنّ ظاهر مجمع البرهان أنّه کالمبیع، وأنّه لا خلاف فیه، قلت: قد صرّحوا بذلک فی باب الشفعة، بل ظاهرهم هناک الإتفاق على ذلک من دون تأمّل ولا إشکال، وقال فی مجمع البرهان أنّ فی خبر عقبة إیماء إلى التعمیم فی البائع والمشتری ویمکن إرادة المشتری من البائع فی النبوی فإنّه لغة یطلق علیهما ولا یضرّ عدم صحّة السند لعدم الخلاف فی العمل والقبول على الظاهر» إنتهی(1).
وقال فی «الریاض»: «إنّ مقتضى الأصل، واختصاص ظاهر الفتاوى والنصّ بالبیع، کون الحکم فی تلف الثمن تلفه من مال البائع لأنّه صار بالعقد ماله، فیجب أن یکون التلف منه، إلاّ أنّ ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأول، مشعراً بدعوى الوفاق علیه، وعلى إرادته من المبیع، وإرادة المشتری من البائع، إلتفاتاً إلى صدقهما علیهما لغة»(2).
هذا، ولکن لا ینبغی الإشکال فی أنّ مقتضى إنتقال الثمن بمجرّد العقد إلى ملک البائع أنّه إذا تلف تلف من ملکه، ومن یدّعی کونه من ملک المشتری لابدّ له من إقامة الدلیل على انفساخ العقد آناً ما، من حینه أو من أصله، وبدون إقامة الدلیل لا یمکن المصیر إلیه.
وغایة ما یستدلّ به للعموم، فیما عرفت من کلماتهم وغیرها أمور:
1 ـ شمول النبوی «کلّ بیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» للبائع والمشتری والثمن والمثمن بناءاً على صدق هذا العنوان على کلیهما کما إشار إلیه غیر واحد منهم.
ولکن الإنصاف أنّه مخالف للظاهر جدّاً، لا یمکن المصیر إلیه من دون قرینة.
2 ـ شمول روایة «عقبة بن خالد» له فإنّ قوله(علیه السلام) فی ذیل الروایة: «فإذا أخرجه من بیته (أی أقبض البائع المتاع) فالمبتاع ضامن لحقّه حتى یرد ماله إلیه» أنّ المشتری ضامن للثمن بعد قبض المثمن.
وأورد علیه بأمور: أحدها: أنّ روایة «عقبة» إنّما تدل بعد القبض.
وثانیها: أنّه یمکن حملها على کون الثمن کلیاً کما هو الغالب، والضمان أعمّ من الإنفساخ الحاصل بتلف المبیع.
ثالثها: أنّه لا جابر لهذه الروایة الضعیفة بالنسبة إلى ذلک (وإن تمّت دلالتها بالنسبة إلى المبیع لانجبارها کما عرفت) «إنتهى»(3).
هذا، ولکنّ العمدة من إشکالاته هو الإشکال الأول لأنّ کون الثمن کلیاً خلاف ظاهر الحدیث جدّاً، لأنّه لا معنى حینئذ لضمان المشتری لحق البائع حتى یردّ ماله إلیه، فإنّ هذا کالصریح فی کون الثمن شخصیاً، بل لا یتصور التلف فی الثمن الکلّی، وکذا التفکیک فی العمل بین الفقرتین مشکل، بل قد یظهرمنهم العمل بهما کما عرفت.
ولکن هنا «إشکال آخر» یرد على الاستدلال بالروایة، وهو أنّ کون المشتری ضامناً لحقّ البائع حتى یردّ ماله إلیه لا یدلّ على کون تلف الثمن من ماله، لیکون ملازماً للفسخ من حینه أو من الأصل، بل لعلّ الضمان هنا إنّما هو بالمثل أو القیمة، والوجه فیه عدم العذر للمشتری بعد قبض المتاع فی تأخیر أداء الثمن.
فالاستدلال بهذه الروایة ضعیف أیضاً.
3 ـ «إلغاء الخصوصیة» عن حکم المثمن وتنقیح المناط فیه بأن یقال: إنّ العلّة لإنفساخ البیع إنّما هو عدم إستحکامه قبل القبض، وهذا أمر مشترک بین الثمن والمثمن، والإنصاف أنّ هذا أیضاً تخرّص على الغیب، وقول بلا دلیل.
نعم، قد یقال: إنّ المسألة عقلائیّة، ولا فرق عندهم بین الثمن والمثمن فی ذلک، ولکن قد عرفت عدم ثبوت هذه الدعوى، فإذن لا یسعنا إلحاق الثمن بالمثمن، فیبقى الحکم على الأصل، وهو کون تلفه من مال البائع إذا لم یکن من ناحیة المشتری تقصیر، وإلاّ فهو ضامن له بمثله أو قیمته (والله العالم).