لا نبالغ إذا قلنا أنّ الفقه الإسلامی من أغنى المصادر الحقوقیة فی العالم لأنّه:

من جهة یسترفد من منابع مترعة کالقرآن الکریم، والأحادیث الکثیرة، والإجماع والعقل ـ ومن جهة اُخرى إنّ الدین الإسلامی تصدّر الحکومة منذ عصر النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) مما ادّى إلى تفعیل روح السؤال ومواجهة سیل علامات الإستفهام فی مختلف المجالات الإجتماعیة والسیاسیة والإقتصادیة والاخلاقیة والإجابة عنها.

ومن جهة ثالثة کان تنوع المجتمعات الإسلامیة وإمتداد الإسلام فی منطقة جغرافیة واسعة ومهمّة بدوره سبباً آخر فی إثارة الأسئلة وتنوعها ممّا ادّى بالفقه الإسلامی الذی اندفع للإجابة عنها إلى ایجاد الحلول لما اشکل منها.

ومن جهة رابعة نلاحظ أنّ عدداً غفیراً من علماء الإسلام وفقهاء المسلمین بذلوا جهودهم العلمیة طیلة 14 قرناً فی هذا المجال، ولذا لیس غریباً أن یکون الفقه الإسلامی بملاحظة العوامل المذکورة آنفاً ثریّاً فی آفاقه الحقوقیة ومترعاً فی أبعاده الفقهیة وفی هذا الوسط یتجلى الفقه الشیعی أکثر من غیره.

ویقف مذهب أهل البیت (علیهم السلام) فی مقدمة المذاهب الإسلامیة فی هذا المجال لأنّه:

1 ـ فتح باب الإجتهاد أمام فقهاء الشیعة ممّا أعطاهم زخماً کثیراً فی تطویر حرکة الفقه الإسلامی ودفعهم نحو التعمق والدقة، أکثر فأکثر فی مختلف الفروع والتأمل فی أدلتها والتفکیر فی إیجاد براهین أقوى.

2 ـ لزوم تقلید المجتهد الحی وعدم جواز التقلید من المجتهد المیت ـ والذی هو مورد اتفاق علماء الشیعة تقریباً ـ أدى إلى أن یهتم فقهاء أهل البیت (علیهم السلام) فی کلّ عصر وزمان بتنقیح المسائل الفقهیة، وخاصّة المسائل المستحدثة منهم، والعثور على إجابات علمیة مقنعة ومستدلّة، ولهذا نرى فی کلّ یوم کتباً جدیدة وابحاثاً موسّعة فی هذا المجال ومنها الکتاب الحاضر الذی هو ثمار مجموعة نفیسة من 10 مسائل فقهیة مهمّة أغلبها من المسائل المستحدثة.

وهذه المسائل بصورة خاصّة من المسائل المبتلى بها فی العصر، وکلّ واحدة منها تعالج قضیّة مهمّة من قضایا المجتمع البشری بدقّة وعنایة، وتجنب الاختصار المخل، والإسهاب الممل، رجاء أن یکون هذا الکتاب قد اسهم فی إشباع الوسط الفقهی بما یحتاجه فی منظومته الفقهیة.

وفی الوقت نفسه فإنّنا نستقبل بما یجود به قرائح المفکرین وآراء المحققین لاثراء هذه البحوث ونسعى فی ضمّها إلى هذه المجموعة فیما لو کانت فی اطار معقول إن شاء الله.

ونرجو من العلّی القدیر أن یجعلها ذخراً لآخرتنا ویعفو عن خطایانا.

والحمد لله ربّ العالمین